التفاسير

< >
عرض

ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ خَٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَٱعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ
١٠٢
لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَٰرُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَٰرَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ
١٠٣
قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ
١٠٤
وَكَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
١٠٥
-الأنعام

تفسير الجيلاني

{ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ } أي: الذات الأحدية الموصوفة بالصفات الأزلية الأبدية السرمدية المتجلي بالتجليات اللطيفة والقهرية { رَبُّكُمْ } ومربيكم أيها الأطفال الهالكة والعكوس الباطلة { لاۤ إِلَـٰهَ } ولا موجود { إِلاَّ هُوَ } وهو { خَٰلِقُ } ومظهر { كُلِّ شَيْءٍ } ظهر من العكوس والأضلال { فَٱعْبُدُوهُ } فهو المستحق للعبادة والرجوع ، وفوضوا أمروكم كلها إليه وكيف لا يفوضونها إليه { وَهُوَ } بذاته وأوصافه وأسمائه { عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ } من الكوائن والفواسد الحادثة في مظاهره { وَكِيلٌ } [الأنعام: 102] يوليها ويصرفها كيف يشاء حسب قدرته وإرادته.
وإن كان { لاَّ تُدْرِكُهُ } من غاية ظهوره وجلائه { ٱلأَبْصَٰرُ } القاصره عن إبصار نوره { وَ } كيف تدركه الأبصار { هُوَ } بذاته { يُدْرِكُ } ويبصر { ٱلأَبْصَٰرَ } ومبصر الأبصار لا يبصره الأبصار { وَ } كيف يبصر { هُوَ ٱللَّطِيفُ } الرقيق المنزه عن المجازاة والمقابلة والانطباع والمحاكاة { ٱلْخَبِيرُ } [الأنعام: 103] هو كيف يخبر عنه، وبالجملة ما يرى الله إلا الله، وما يخبر عنه إلا هو، كل شيء هالك إلى وجهه له الحكم وإليه ترجعون رجوع الظل إلى ذي الظل.
{ قَدْ جَآءَكُمْ } وحصل عندكم أيها المجبولون على فطرة التوحيد { بَصَآئِرُ } شواهر وكواشف { مِن رَّبِّكُمْ } الذي أوجدكم وأظهركم عليها { فَمَنْ أَبْصَرَ } شهد وانكشف بها { فَلِنَفْسِهِ } أي: عاد نفعه إليها { وَمَنْ عَمِيَ } و احتجب { فَعَلَيْهَا } أي: وبالها عائد عليها { وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } [الأنعام: 104] رقيب مصرف بل منبه مبلغ، والحفظ بيد الله، والتصرف بقدرته، يهدي من يشاء ويضل من يشاء.
ثم قال سبحانه: { وَكَذٰلِكَ } أي: مثل ذلك المذكور { نُصَرِّفُ } ونكرر { ٱلآيَاتِ } الدالة على توحيدنا رجاء أن يتنبهوا فلم يتنبهوا { وَ } غاية أمرهم أنهم { لِيَقُولُواْ } لك يا أكمل الرسل: { دَرَسْتَ } تعلمت هذه الأساطير الكاذبة القديمة من أهل الكتاب { وَ } مع كونه ما نصرفها ونكررها إلا { لِنُبَيِّنَهُ } ونوضحه إلى التوحيد الذاتي المدلول عليه بتصريف الآيات والدلالة { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } [الأنعام: 105] يستدلون بالدلائل القاطعة والبراهين الساطعة على وحدة الصانع الحكيم، وانصرفوا عنكم ولم يقبلوا منك ما جئت به من الآيات، اتركهم وحالهم.