التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ مِنَ ٱلْحَيِّ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ
٩٥
فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ وَجَعَلَ ٱلْلَّيْلَ سَكَناً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ حُسْبَاناً ذٰلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ
٩٦
وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَٰتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
٩٧
وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَٰحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَٰتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ
٩٨
-الأنعام

تفسير الجيلاني

قل يا أكمل الرسل للمنكرين البعث والحشر المستبعدين الممتنعين إحياء الأموات من العظام الرفات: { إِنَّ ٱللَّهَ } القادر على ما أراد وشاء { فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ } أي: الحبة والنطفة { يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ } أي: الحبة والنطفة { مِنَ ٱلْحَيِّ } أي: الحيوان والنبات { ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ } المحيي المميت الحي القيوم المستحق للألوهية وللعبودية والربوبية { فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } [الأنعام: 95] تصرفون عنه إلى غيره من الأظلال الباطلة أيها الحمقى.
وكيف تصرفون عنه وهو { فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ } أي: شاق ظلام الليل ينبلج الصبح لتكتسبوا فيه أقواتكم ومعاشكم { وَجَعَلَ ٱلْلَّيْلَ سَكَناً } لتستريحوا فيه من تعب الكد، وهما من أقوى أسباب حياتكم { وَ } أيضاً جعل لكم ولمعاشكم { ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ حُسْبَاناً } ذا أدوار وأطوار مختلفة وأوضاع متفاوتة شتاء وصيفاً ربيعاً وخريفاً تتميماً لأرزاقكم وأقواتكم { ذٰلِكَ تَقْدِيرُ } تدبير وتدوير { ٱلْعَزِيزِ } القادر الغالب على جميع صور التدابير والتداوير { ٱلْعَلِيمِ } [الأنهام: 96] بفنع التدوير المخصوص والوضع المتعارف لمعاش عباده.
{ وَ } كيف تصرفون عنه { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ } لتدبير مصالحكم { ٱلنُّجُومَ } الزاهرات مرتكزة في السماوات { لِتَهْتَدُواْ بِهَا } وتوصلوا إلى مطالبكم بسببها حين كنتم تائهين ضالين { فِي ظُلُمَٰتِ ٱلْبَرِّ } أي: مفاوزه { وَٱلْبَحْرِ } أي: لججه، وبالجملة: { قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَٰتِ } الدالة على توحيدنا واستقلالنا في التصرفات والتدبيرات الواردة في علام الكون والفساد { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } [الأنعام: 97] يستدلون وينتفعون بها وينتبهون إلى وحدة موجودها ومصرِّفها.
{ وَ } أيضاً كيف يصرفون عنه سبحانه مع أنه { هُوَ } القادر { ٱلَّذِيۤ أَنشَأَكُم } وأظهركم بالتجلي الحبي { مِّن نَّفْسٍ وَٰحِدَةٍ } هي طبيعة العدم { فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ } أي: فكلكم أطوار مختلفة، وشؤون متفاوتة، لبعض قرار واستقرار، ولبعض استيداع واستتار، تتبدلون وتتحولون من حال إلى حال على مقتضى تطوراتها وتجلياتها { قَدْ فَصَّلْنَا } وأوضحنا { ٱلآيَٰتِ } الدالة على ألا وجود لغيرنا من الأظلال، والإقرار ولا مراد لها أصلاً { لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ } [الأنعام: 98] يتأملون ويتدبرون لينكشفوا بكيفية سريان الهوية الإلهية في المظاهر الكونية والكيانية.