التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ ٱلشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ
٢٠١
وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي ٱلْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ
٢٠٢
وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ ٱجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يِوحَىٰ إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَـٰذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
٢٠٣
-الأعراف

تفسير الجيلاني

ثمَّ قال سبحانه تذكيراً لنبيه وعظة: { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } من عبادنا كانوا { إِذَا مَسَّهُمْ } واستولى عليهم { طَائِفٌ } خاطر يطوف حول قلوبهم { مِّنَ } قبل { ٱلشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ } ما أمروا به ونُهوا عنه من عند الله { فَإِذَا هُم } بتذكير المأمور والمنهي { مُّبْصِرُونَ } [الأعراف: 201] مميزنون مواقع الخطأ فيحترزون منها، ويتعوذون إلى الله عمَّا يغريهم إليه.
{ وَ } الذين لم يتقوا، بل هم { إِخْوَانُهُمْ } أي: إخوان الشياطين، إذا مسهم ما مسهم لا يتأتى بهم التذكر ولم يوفقوا عليه، بل { يَمُدُّونَهُمْ } أي: الشياطين بالتزيين والتحسين، والوسوسة والإغواء إلى أن يوقعوا بهم { فِي ٱلْغَيِّ } والضلا ل { ثُمَّ } بعد الإيقاع فيه { لاَ يُقْصِرُونَ } [الأعراف: 202] بلا يبالغون في إغوائهم وإغرائهم إلى حيث يردونهم بحال لا يرجى لهم الفلاح أصلا.
و{ وَ } من غاية انهماكهم في الغي والضلال، ونهاية غراقتهم فيه { إِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ } يا أكمل الرسل { بِآيَةٍ } اقترحوها منك، عناداً { قَالُواْ } على سبيل التهكم والاستهزاء: { لَوْلاَ ٱجْتَبَيْتَهَا } أي: هل انتخبتها من الأقوال وأنشأئها كسائر منشآتك، أعجزت فيها؟ فإن أعجزت لِمَ لَمْ تطلبها من ربك على مقتضى دعوانك، كما طلبت غيرها منه؟
{ قُلْ } في جوابهم: ما أنا مختلق، بل رسول مبلغ إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يِوحَىٰ إِلَيَّ مِن رَّبِّي{ } الذي هو مرسلي ومبلغي، ما لي صنع في نظمه وتأليفه، وبلاغته وفصاحته وإعجازه، بل { هَـٰذَا } أي: القرآن وما فيه من الرموز والإشارات { بَصَآئِرُ } للمستبصرين المستكشفين بمقتضى الودائع الفطرية التي أودعها الله في قلوب عباده، ومتى انكشفتهم بودائعكم علمتم أنها { مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى } يوصلكم إلى ما جبلتم لأجله، وهو التوحيد والعرفان { وَرَحْمَةً } نازلة لكم من الله يوفظكم عن نومه الغفلة والنسيان، كل ذلك { لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [الأعراف: 203] أي: يتحققون بمرتبة اليقين العلمي، ويطلبون الترقي منها إلى العين والحق.
حققنا بلطفك بحقيتك، وخلصنا من هويتنا الباطلة بفضلك وجودك يا أرحم الراحمين.