التفاسير

< >
عرض

ويَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّالِمِينَ
١٩
فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ
٢٠
وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ
٢١
فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ ٱلشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌ مُّبِينٌ
٢٢
-الأعراف

تفسير الجيلاني

{ وَ } بعدما طرد سبحانه إبليس حين امتنع عن السجود قال لآدم اختباراً وابتلاء وتوصية لحفظ مرتبته: { يَآءَادَمُ } المكرم المسجود { ٱسْكُنْ أَنتَ } بمتابعة عقلك الموهوب لك من العقل الكلي { وَزَوْجُكَ } بمتابعة نفسها الفائظة عليها من النفس الكلية { ٱلْجَنَّةَ } التي هي مقر أهل التوحيد، ومنزل أهل الولاء والتجريد من أرباب الوصول الفائزين بشرف القبول { فَكُلاَ } منها، واحظاظا من لذاتها الروحانية من حقائقها ومعارفها وشهوداتها وكشوفاتها رغداً { مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ } التي هي من أغذية نفوسكم وأهوية هوياتكم { فَتَكُونَا } بتقربها وتناولها { مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } [الأعراف: 19] الخارجين عن مقتضى أمرنا وحكمنا المستحقين لطردنا ومقتنا.
{ فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَانُ } أي: أوقعهما في الدغدغة بأمر الشجرة، وإن كان وسوسة أيضاً عن مقتضيات الحكمة المتقنة الإلهية، بعدما وصاهما الحق سبحانه ونهاهما عنه، وليس غرضه إلا نزع لباس الصيانة والتقوى عنهما { لِيُبْدِيَ } أي: يظهر { لَهُمَا مَا وُورِيَ } أي: غطي وسرت { عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا } التي هي مقتضيات بشريتهما وهويتهما الباطلة { وَ } بعدما أشربهما الوسوسة { قَالَ } على وجه الشفقة والنصيحة وإرادة الخير: { مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ } المباركة المزكية عنكم لوث بشريتكم { إِلاَّ } كراهة { أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ } بتناولهما { أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ } [الأعراف: 20] فيها.
{ وَ } بعدما نصحهما وأشفقهما وسمعا منه ما سمعا { قَاسَمَهُمَآ } أي: بادر إلى القسم تأكيداً وترويجاً لقوله إياهما قائلاً: { إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ } [الأعراف: 21] المشفقين المريدين خيركما.
{ فَدَلاَّهُمَا } أي: أسقطهما عن معالي العز إلى مهاوي الذل { بِغُرُورٍ } غرهما به على وجه الانتقام { فَلَمَّا } سمعا قوله وقبلا غروره { ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ } مطمعين على ما أغراهما إليه من الشرف والخلود، وبعدما ذاقا منها { بَدَتْ } ظهرت { لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا } عوراتهما؛ إذ نزع عنهما لباس التقوى وثياب العصمة { وَ } بعدما نزع لباسهما ظهر سواءتهما { طَفِقَا } أخذا { يَخْصِفَانِ } يلصقان ويلزقان { عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ } أشجار { ٱلْجَنَّةِ } قيل: هي التينة، وقيل: الكرمة { وَ } بعدما ما بدا منهما ما بدا { أَلَمْ أَنْهَكُمَا } موبخاً مقرعاً: { نَادَاهُمَا رَبُّهُمَآ } أيها المعتديان المسرفان { عَن تِلْكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ ٱلشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌ مُّبِينٌ } [الأعراف: 22] ظاهر العداوة، فلم تسمعا قوله، وتتبعا أمره؟ فلما سمعا من ربهما ما سمعا.