التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
٢٨
قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِٱلْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ
٢٩
فَرِيقاً هَدَىٰ وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُوا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ
٣٠
يَابَنِيۤ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ
٣١
-الأعراف

تفسير الجيلاني

{ وَإِذَا فَعَلُواْ } أي: هؤلاء الكافرون بوسوسة الشياطين { فَاحِشَةً } فعله ذميمة قبيحة متناهية في القبح { قَالُواْ } في الجواب: { وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا } وهم يقولون: { وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا } فيما أنزل علينا على لسان نبينا { قُلْ } يا أكمل الرسل { إِنَّ ٱللَّهَ } الهادي لعباده { لاَ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ أَتَقُولُونَ } أيها المفترون { عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [الأعراف: 28] لياقته بجنابه.
{ قُلْ أَمَرَ رَبِّي } بمقتضى فضله وعدله على من أمر منه خلص عباده { بِٱلْقِسْطِ } أي: العدل السوي في جميع مأموراته بلا ميل إلى جانبي الإفراط والتفريط { وَ } عليكم أيها المؤمنون أن { أَقِيمُواْ } واستقيموام { وُجُوهَكُمْ } التي بها ميلكم وتوجهاتكم نحو الحق بلا ميل إلى ما سواه { عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } ومقام تتذللون فيه وتتوجهون نحوه { وَ } بالجملة: { ٱدْعُوهُ } وتوجهوا نحوه حال كونكم مستقيمين فيه { مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } أي: الطاعة والانقياد بلا شوب الغير والسوى مطلقاً، واعلموا أيها الأظلال { كَمَا بَدَأَكُمْ } الله أي: أنشأكم وأظهركم من كتم العدم بمد ظله ورش نوره عليكم { تَعُودُونَ } [الأعراف: 29] إليه بقبض الظل وطيه في نشأتكم الأولى.
{ فَرِيقاً } منكم { هَدَىٰ } بتوفيق الله إلى مبدئه ومعاده { وَفَرِيقاً } ضل وغوى لذلك { حَقَّ } وثبت { عَلَيْهِمُ ٱلضَّلاَلَةُ } في مكمن القضاء، وكيف لا يحقيهم ويحيط بهم الضلالة { إِنَّهُمُ } من غاية غفلتهم { ٱتَّخَذُوا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ } آلهة { مِن دُونِ ٱللَّهِ } المتوحد بذاته { وَيَحْسَبُونَ } بسبب هذا الاتخاذ { أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } [الأعراف: 30] إلى طريق النجاة بل ضالون تائهون.
{ يَابَنِيۤ ءَادَمَ } المجبولين على زي التقوى ولباس السلامة { خُذُواْ زِينَتَكُمْ } التي زينكم الله بها من الحقائق والمعارف والمكاشفات والمشاهدات { عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } ومقام تميلون فيه نحو الحق وجوهكم التي يلي الحق { و } لا تهملوا أمر مراكبكم التي هي نفوسكم وهوياتكم؛ لئلا تبطلوا صنع الله ولا تخربوا بيته، بل { كُلُواْ } مقدار سد الجوعة { وَٱشْرَبُواْ } قدر دفع العطشة { وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ } فيهما إلى حيث يؤدي إلى تقوية القوى البهيمية { إِنَّهُ } سبحانه { لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ } [الأعراف: 31] ولا يرضى عن فعلهم لإخلائهم بإسراف الأكل والشرب على الميل الذي جبلوا لأجله؛ إذ الشبع يميت القلب وينقص الغريزة الإنسانية، ويزيد القوى البهيمية.