التفاسير

< >
عرض

الۤمۤصۤ
١
كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ
٢
ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ
٣
وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَآءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ
٤
فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَآ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ
٥
فَلَنَسْأَلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ ٱلْمُرْسَلِينَ
٦
-الأعراف

تفسير الجيلاني

{ الۤمۤصۤ } [الأعراف: 1] أيها الإنسان الكامل اللائق لتكميل الخلائق المكرم المؤيد لإهدائهم إلى توحيد الذات والصفات والأفعال، الصادق الصفي في نفسه عن كدورات أهل الزيع والضلال، هذه الآثار والآيات اللطيفة اللائحة اللائقة لأن يسترشد منها ويستكشف عنها أرباب الذوق والكمال، المنزهه عن شوائب الشكوك وظلمات الأوهام الصافية عن تخليطات العقول وتخمينات الأحلام الصالحة لأن يستبصر بها ويستشهد منها إلى توحيد العليم العلام المقدس السلام.
{ كِتَابٌ } جامع لجميع فوائد الكتب المنزلة وأحكامها وإشاراتها، ناطق بجميع الأحوال الواقعة في النشأة الأولى والأخرى { أُنزِلَ إِلَيْكَ } يا هادي المضلين تقوية لك وترويجاً لما أمرت به { فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ } ضيق وتعب حاصل { مِّنْهُ } أي: من نشره وتبيلغه مخافة الأعداء بل إنما أنزل إليك { لِتُنذِرَ بِهِ } أي: بإنذاراته وتخوفاته كم ضل عن طريق الحق، وأعرض عنه جهلاً وعناداً { وَ } تذكر بمواعيده وتبشيراته من وفق بتذكر الموطن الأصلي والمنزل الحقيقي؛ إذ هو { ذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ } [الأعراف: 2] الموقنين بوحدة الحق المتوجهين نحوه بالعزيمة الصحيحة.
{ ٱتَّبِعُواْ } أيها المؤمنون المتوجهون نحو التوحيد { مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ } على لسان نبيكم { وَلاَ تَتَّبِعُواْ } بعد بعثته ودعته { مِن دُونِهِ } سبحانه { أَوْلِيَآءَ } توالونهم وترجعون إليهم في أموركم من الجن الإنس؛ إذ هو خاتم النبوة فعليكم أن تتبعوه، وإن كان منكم { قَلِيلاً مَّا } شرذمة قليلة { تَذَكَّرُونَ } [الأعراف: 3] وتتعظون بتذكيره وعظته ليملكم إلى أهوية نفوسكم من الجاه والمال والرئاسة المستلزمة للتفوق على القرآن والأقران.
{ وَ } عليكم ألا تغتروا بها بل تذكروا { كَم } كثير { مِّن } أهل { قَرْيَةٍ } ذوي بطر ورفاهية { أَهْلَكْنَاهَا } بإنزال قهرنا إليها حتى استحقوا الهلاك بسبب كفرهم وظلمهم { فَجَآءَهَا بَأْسُنَا } قهرنا { بَيَاتاً } حال كونهم راقدين رقود البطر والغفلة { أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ } [الأعراف: 4] مستريحون وقت الضحوة الكبرى تنعماً وحضوراً.
{ فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ } أي: دعاؤهم وتضرعهم { إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَآ } أي: حين ظهر عليهم قهرياً { إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ } متضرعين مقربين معترفين: { إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } [الأعراف: 5] وبعدما اعترفوا بظلمهم ملجئين لا نبالي باعترافهم وإقرارهم.
{ فَلَنَسْأَلَنَّ } لنستكشفن ونظهرن في النشأة الأخرى أحوالهم التي كانوا عليها في النشأة الأولى أولاً من { ٱلَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ } الرسل ما فعلوا بهم حين دعوهم إلى إطاعتنا وانقيادنا { وَ } بعدما ظهر منهم ما ظهر { لَنَسْأَلَنَّ } ثانياً عن أحوالهم من { ٱلْمُرْسَلِينَ } [الأعراف: 6] المبلغين لهم أوامرنا ونواهينا عن قبولهم وتكذيبهم وتصديقهم، وبعدما ظهر أيضاً منهم ما ظهر.