التفاسير

< >
عرض

وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
١٠٥
وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ ٱللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
١٠٦
وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
١٠٧
لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُطَّهِّرِينَ
١٠٨
-التوبة

تفسير الجيلاني

{ وَقُلِ } يا أكمل الرسل للمخلفين من الأعراب: { ٱعْمَلُواْ } ما شئتم من الكفر والنفاق { فَسَيَرَى ٱللَّهُ } الرقيب عليكم { عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ } بوحيه سبحانه وإلهامه { وَٱلْمُؤْمِنُونَ } بتبليغه { وَ } اعلموا أيها الغواة المجرمون { سَتُرَدُّونَ } للحساب والجزاء { إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ } أي: السرائر والخفيات التي تسترونها من الكفر والمعاصي { وَٱلشَّهَادَةِ } أي: التي تعلنون بها { فَيُنَبِّئُكُمْ } سبحانه على التفصيل { بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [التوبة: 105] من طغيان نفوسكم، ويجازيكم عليها.
{ وَآخَرُونَ } من المتخلفين بعدما تبهوا بقبح صينعهم { مُرْجَوْنَ } مؤخرون، منتظرون { لأَمْرِ ٱللَّهِ } وحكمه، وصاروا مترددين بين الخوف والرجاء فيما فعل الله معهم { إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ } أخذاً على ما صدر عنهم بمقتضى عدله { وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ } ويوفقهم على التوبة يمقتضى فضله وسعة رحمته، وجوده { وَٱللَّهُ } المطلع لخفيات صدورهم { عَلِيمٌ } بإخلاصهم ونيَّاتهم { حَكِيمٌ } [التوبة: 106] في فعله بهم بعد علمه بحالهم.
{ وَ } من أشدهم كفراً ونافقاً، وأغلظهم بغضاً وشقاقاً، هم { ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ } تلبيساً وتغريراً { مَسْجِداً } قاصدين في بنائه { ضِرَاراً } مضرةً وسوءاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين { وَكُفْراً } أي: اشتداداً وزيادة فيه؛ لأنهم يقصدون بإنشائه وبنائه قتل رسول الله والمؤمنين فيه { وَ } قصدوا أيضاً { تَفْرِيقاً } وتشتيتاً { بَيْنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } المجتمعين في مسجد قباء { وَ } بالجملة: إنما يبنونه { إِرْصَاداً } أي: ترقباً وانتظاراً { لِّمَنْ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } وهو أبو عامر، الراهب الذي حارب مع المؤمنين { مِن قَبْلُ } يوم حنين فانهزم، فهرب إلى الشام؛ ليذهب إلى قيصر، فيأتي بجنوده، وهم منتظرون لمجيئه.
{ وَ } بعدما ظهر نفاقهم وخداعهم بوحي الله وإلهامه على رسوله { لَيَحْلِفُنَّ } وليقسمن بالأيمان الغليظة { إِنْ أَرَدْنَا } أي: ما قصدنا ببنائه { إِلاَّ ٱلْحُسْنَىٰ } والخير، وهي الصلاة المقربة نحو الحق والذكر والتسبيح والتوسعة على المؤمنين، وازدياد شعائر الإسلام { وَٱللَّهُ } المطلع لضمائرهم ومحايلهم { يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } [التوبة: 107] في حلفهم.
وإذا عرفت يا أكمل الرسل حالهم، وحلفهم، وسوء قصدهم وفعالهم { لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً } للتوجه والصلاة؛ لكونه مبنياً على الخداع والتزوير { لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ } وبني { عَلَى ٱلتَّقْوَىٰ } عن محارم الله وخالصاً لرضاه { مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ } بني، وهو مسجد قباء { أَحَقُّ } أي: أليق وأولى { أَن تَقُومَ فِيهِ } للصلاة والميل نحو الحق؛ إذ { فِيهِ رِجَالٌ } مؤمنون كاملون في الإيمان { يُحِبُّونَ } دائماً { أَن يَتَطَهَّرُواْ } عن المعاصي والآثام، ويتوجهوا نحو الحق برفض الشواغل ونقض العوائق العلائق { وَٱللَّهُ } المطلع بنياتهم { يُحِبُّ ٱلْمُطَّهِّرِينَ } [التوبة: 108] القاصدين تظهير ذواتهم عن التوجه إلى ما سوى الحق المطلق، بل عن هوياتهم وتعيناتهم الباطلة.