{ أَفَمَنْ أَسَّسَ } ووضع { بُنْيَانَهُ عَلَىٰ } قاعدة محكمة وركن شديد، هي { تَقْوَىٰ } أي: تحفظ وتحصن { مِنَ اللَّهِ } أي: غضبه وسخطه { وَ } طلب { رِضْوَانٍ } ومثوبة عظيمة، ومنزلة رفيعة منه { خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ } أي: على طرف واد جوفه السيول والأمطار فسقط البعض، وأشرف على السقوط والانهدام البعض الآخر، فوضع عليه بناءه { فَٱنْهَارَ بِهِ } وسقط معه { فِي نَارِ جَهَنَّمَ } أي: الوادي الغائر، الهائر، المملوءة من نار الحرمان والخذلان { وَٱللَّهُ } الهادي لخلَّص عباده { لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } [التوبة: 109] الخارجين عن مقتضى أوامره ونواهيه.
ومن شدة غيظهم وخبث باطنهم { لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ ٱلَّذِي بَنَوْاْ } يورث ويزيد { رِيبَةً } شكاً وريباً متزايداً { فِي قُلُوبِهِمْ } مترشحاً فيها { إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ } بنيران الحسرة، وتفتتت وتلاشت بأهوال العذاب إلى حيث لا يتأتى منها الإدراك { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } بمخايلهم الكامنة في صدورهم { حَكِيمٌ } [التوبة: 110] في جزائها وانتقامها.
ثم قال سبحانه تبشيراً للمؤمنين الباذلين مهجهم في سبيل الله: { إِنَّ ٱللَّهَ } المتفضل بالفضل العظيم واللطف الجسيم { ٱشْتَرَىٰ } استبدل { مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ } الفانية في أنفسها، المعدومة المبذولة في سبيله سبحانه في النشأة الأولى { وَأَمْوَالَهُمْ } المصروفة فيه أيضاً { بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ } الباقية واللذة المستمرة الدائمة، بدلها لذلك { يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } أولئك المتمثلون بحكم الله، المصدقون لوعده { فَيَقْتُلُونَ } أعداءه، فيستحقون المثوبة التي وعد الغزاة المجاهدين { وَيُقْتَلُونَ } ويصلون إلى درجة الشهداء الذين هم أحياء عند الله يُرزقون من موائد أفضاله، فرحون يوعدون من عنده سبحانه { وَعْداً عَلَيْهِ } بلا خلف فيه { حَقّاً } ثابتاً مثبتاً { فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ وَٱلْقُرْآنِ } المنزلة من عنده { وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ } ووفى العهود استحق { مِنَ ٱللَّهِ } الوعد الموعود { فَٱسْتَبْشِرُواْ } أي: افرحوا واربحوا أيها المؤمنون { بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ } مع ربكم، بأن استبدلتم الفاني الزائل بالباقي المستمر الدائم { وَذَلِكَ } الموعود لكم { هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } [التوبة: 111] المعد لأرباب العناية.