التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ
١١٦
لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ وَٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ
١١٧
وَعَلَى ٱلثَّلاَثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوۤاْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ
١١٨
-التوبة

تفسير الجيلاني

{ إِنَّ ٱللَّهَ } المستقل بالألوهية والوجود { لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } وما فيها من الكواكب والنجوم { وَٱلأَرْضِ } وما عليها، وكذا ما بينهما { يُحْيِـي } ويظهر بلطفه متى تعلق إرادته { وَيُمِيتُ } يعدم ويخفي بقهره متى شاء { وَمَا لَكُمْ } أيها المؤمنون الموقنون بتوحيد الله { مِّن دُونِ اللَّهِ } الواحد، الأحد، الصمد الذي ليس معه شيء، ولا دونه حي { مِن وَلِيٍّ } يولي أموركم { وَلاَ نَصِيرٍ } [التوبة: 116] ينصركم عليها.
{ لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ } أي: وفقه على التوبة بعدما صار عنه إذن المخالفين، المستأذنين المعتذرين بالأعذار الكاذبة؛ تعزيراً له وتلبيساً عليه، مع عدم علمه بحالهم { وَ } تاب أيضاً على { ٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ } نحو تبوك حين خرج إليها { فِي سَاعَةِ ٱلْعُسْرَةِ } وأيام القحط؛ إذ ليس لهم في تلك السفر زاد ولا راحلة ولا ماء، حيث يتعاقب عشرة على بعير، وقسيم تمر بين اثنين في يوم، وشرب الفظ والفرث من شدة العطش، لذلك تمايل على المخالفة { مِن بَعْدِ مَا كَادَ } وقرب { يَزِيغُ } ويميل عن المتابعة { قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ } من قلة البصر، وكثرة المقاساة والأحزان { ثُمَّ تَابَ } الله { عَلَيْهِمْ } ووفقهم على التوبة مما أخطروا ببالهم، وتخيلوا في خيالهم { إِنَّهُ } سبحانه { بِهِمْ } بعدما علم استعدادهم وقابليتهم { رَءُوفٌ } عطوف، يعفو عمَّا صدر عنهم وقت الاضطرار { رَّحِيمٌ } [التوبة: 117] يقبل عنهم ما جاءوا به من الإنابة والاستغفار.
{ وَ } أيضاً تاب سبحانه { عَلَى ٱلثَّلاَثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ } عن عزوة تبوك بلا عذر، هو كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، وصاروا من عدم التفات رسول الله والمؤمنين إليهم بعدما أمرهم الرسول ألا يتكلموا معهم خمسين ليلة { حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ } أي: مع وسعتها وفسحتها { وَ } صاروا من الأعراف إلى أن { ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ } واشتد عليهم الأمر، وانسد أبواب التدابير مطلقاً، فاضطروا في أمرهم، والتجأوا نحو الحق مخلصين { وَظَنُّوۤاْ } بل كوشفوا { أَن لاَّ مَلْجَأَ } ولا مفر { مِنَ ٱللَّهِ } أي: غضبه وسخطه { إِلاَّ إِلَيْهِ } إذ ليس بغيره وجود حتىى يلجأ إليه، لذلك قال صلى الله عليه وسلم في أمثال هذه المضائق:
"أعوذ بك منك" .
{ ثُمَّ } بعدما أخلصوا في الإنابة الرجوع وفوضوا أمروهم إليه سبحانه { تَابَ } الله { عَلَيْهِمْ } أي: أقدرهم ووفقهم على التوبة { لِيَتُوبُوۤاْ } ويرجعوا إلى الله نادمين على ما صدر عنهم من المخالفة، فيغفر لهم ويعفو عن زلاتهم { إِنَّ ٱللَّهَ } المصلح الموفق { هُوَ ٱلتَّوَّابُ } الرجاع لعباده نحو جنابه حين صدر عنهم المعاصي { ٱلرَّحِيمُ } [التوبة: 118] لهم يرحمهم، ويقبل توبتهم عند رجوعهم متضرعين مخلصين.