التفاسير

< >
عرض

أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ
١٩
ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَائِزُونَ
٢٠
يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ
٢١
خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ
٢٢
-التوبة

تفسير الجيلاني

{ أَجَعَلْتُمْ } أي: صيَّرتم وسوَّيتم أيها المشركون المعاندون المكابرون { سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } مع كونها صادرتين عنكم، وأنتم على شرككم وضلالكم { كَمَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ } أي: كإيمان من آمن بتوحيد الله { وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } المعدّ لجزاء الأعمال { وَجَاهَدَ } بماله ونفسه { فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } لإعلاء دينه وكلمة توحيده؟! كلا وحاشا { لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ ٱللَّهِ } عملة السقاية وعمارة المساجد مع المؤمنين الموقنين بتوحيد الله المجادهين في سبيله لنصرة دينه { وَٱللَّهُ } الهادي لعباده إلى توحيده { لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } [التوبة: 19] الخارجين عن مقتضى أوامره ونواهيه المنزلة على رسله وأنبيائه.
{ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } أي: تحققوا بمرتبة اليقين العلمي بتوحيد الله { وَهَاجَرُواْ } عن بقعة الإماكن طالبين مرتبة أعلى منها { وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } وطريق توحيده { بِأَمْوَالِهِمْ } أي: يبذل ما نسب إليهم من أمتعة الدنيا العاتقة عن الوصول إلى فضاء الوحدة { وَأَنْفُسِهِمْ } بمنعها عن مشتهياتها ومقتضياتها، ظالبين إفناء أنانياتهم وهوياتهم في هوية الحق { أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِ } وأعلى منزلة ومرتبة ما داموا سالكين سائرين { وَ } بعد وصولهم وانقطاع سلوكم { أُوْلَـٰئِكَ } السعداء الواصلون { هُمُ ٱلْفَائِزُونَ } [التوبة: 20] بما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
لذلك { يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم } أي: باستعدادتهم الكامنة في عالم الأسماء والصفات { بِرَحْمَةٍ } غير منقطعة، نازلة { مِّنْهُ } سبحانه { وَرِضْوَانٍ } كلَّت الألسن عن تفسيره وانحسرت العقول عن التعبير عنه { وَجَنَّاتٍ } منتزها متجددات حسب تجددات التجليات الحبي ة{ لَّهُمْ فِيهَا } أي: في تلك الجنات المتجددات { نَعِيمٌ } أي: إمداد وفواتح { مُّقِيمٌ } [التوبة: 21] دائم غير منقطع.
{ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } مؤبداً لا تأبيد أمد وزمان، وبالجملة: { إِنَّ ٱللَّهَ } المتجلي على قلوب خلَّص عباده { عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } [التوبة: 22] لهم، بحسب استعداداتهم وقابلياتهم بعدما انكشفوا.