التفاسير

< >
عرض

وَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَـٰكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ
٥٦
لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئاً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ
٥٧
وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ
٥٨
وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ سَيُؤْتِينَا ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّآ إِلَى ٱللَّهِ رَاغِبُونَ
٥٩
-التوبة

تفسير الجيلاني

{ وَ } من جملة نفاقهم: إنهم { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ } بالحلف الكاذب { إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ } أي: من جملتكم وزمرتكم يفرحون بفرحكم وسروركم، ويتغممون بحزنكم ومصيبتكم { وَ } الحال أنهم { مَا هُم مِّنكُمْ } لكفرهم وشركهم المركوز في قلوبهم { وَلَـٰكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ } [التوبة: 56] يخافون أن تفعلوا بهم فعلكم من المشركين، فاضطربوا إلى المداهنة والنفاق فأظهروا الإسلام؛ حفظاً لدمائهم وأموالهم، وهم مضطرون على إظهار الإيمان، ومن غاية تذللهم واضطرارهم.
{ لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئاً } منيعاً من الحصون والقلاع { أَوْ مَغَارَاتٍ } في شعاب الجبال { أَوْ مُدَّخَلاً } جحراً يمكنه الإنجحار والاستتار فيه { لَّوَلَّوْاْ } وانصرفوا ألبتة { إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ } [التوبة: 57] يسرعون، كالفرس الجموح { وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ } يعينك وينصرك { فِي ٱلصَّدَقَاتِ } أي: قسمة الغنائم، ويتردد حولك حين القسمة طامعاً { فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا } بينهما أو شيئاً يعتد به { رَضُواْ } منك، وأثنوا عليك شكراً لإعطائك { وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا } لعدم استحقاقهم؛ وبسبب تخلفهم ونفاقهم { إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ } [التوبة: 58] يفاجئون بالغيظ والسخط إظهاراً لما في قلوبهم من الأكنة.
{ وَلَوْ أَنَّهُمْ } كانوا مؤمنين كما ادعوا { رَضُوْاْ } في تقاسيم الغنائم وغيرها على { مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ } وأعطاهم من فضله؛ إذ هو الحكيم في قسمة أرزاق عباده على تفاوت درجاتهم { وَرَسُولُهُ } المستخلف له، الملهم من عنده { وَقَالُواْ } من كمال إخلاصهم وتفويضهم كسائر المؤمنين:{ حَسْبُنَا ٱللَّهُ } المدبر الكافي لأمورنا يكفينا علمه بنا { سَيُؤْتِينَا ٱللَّهُ } المكفل لأرزاقنا { مِن فَضْلِهِ } وسعة لطفه وجوده ما يكيفنا { وَ } سيعطينا { وَرَسُولُهُ } النائب عنه بإذنه من الغنائم والصدقات ما يشبعنا ويغنينا { إِنَّآ } بعدما آمنا بالله، وتحققنا بتوحيده بإرشاد رسله { إِلَى ٱللَّهِ } الباقي بالبقاء الأزلي السرمدي لا إلى غيره من الأظلال والأموال والمزخرفات الفانية { رَاغِبُونَ } [التوبة: 59] ليرزقنا من فوائد رزقه المعنوي، وفوائد توحيده الذاتي؛ أي: هم لو رضوا كما رضي المؤمنون الموقنون، واعترفوا كما اعترفوا لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً وتقريراً في قلوبهم.