التفاسير

< >
عرض

وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلاَمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ
٦
كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِندَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ فَمَا ٱسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَٱسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ
٧
-التوبة

تفسير الجيلاني

{ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } المناقضين الذين أمُمرت بقتلهم وأسرهم { ٱسْتَجَارَكَ } وطلب منك جوارك؛ ليأمنه عما يؤذيه { فَأَجِرْهُ } أي: فعليك يا أكمل الرسل على مقتضى شفقة النبوة والرسالة أن تجيره وتؤمنه في جوارك { حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلاَمَ ٱللَّهِ } الهادي لعباده ويفهم سرائر دينك وشعائر شريعتك كأنه يطلع على حققته؛ لأن أصل فطرة كل أحدٍ وجبلته على الإسلام.
{ ثُمَّ } بعد حصول ألياس عن الإيمان من إيمانه وتنبهه { أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ } أي: موضع أمنه ومحل قرانه تتميماً للشفقة المروءة { ذٰلِكَ } الأمن والمواساة والتليين المأمور { بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ } في غاية البعد عن الإيمان وما يترتب عليه من المؤاخاة والمواساة، وأنواع الخيرات والمبرات { لاَّ يَعْلَمُونَ } [التوبة: 6] أي: لا يطمعون ولا يتوقعون صدورها من أهل الإيمان، فمتى صدر منكم أمثال هذه عسى أن يتحاببوا ويتقربوا إليكم.
ثمَّ قال سبحانه: { كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ } المصرين على الشرك والعناد، المبالغين في العتو والاستكبار { عَهْدٌ } مقبول { عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ } إذ هم من غاية انهماكهم في كفرهم وضلالهم لا يلتفتون إلى الله ورسوله؛ لذلك لا يقبل منهم العهد والميثاق، بل أمرهم إمَّا السيف وإمَّا الإسلام.
{ إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ } معهم { عِندَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } فإنهم وإن كانوا أيضاً من المشركين المصرين، إلاَّ أن حرمة المسجد الحرام توجب إيفاء عهودهم ما داموا موقنين بها { فَمَا ٱسْتَقَامُواْ } واستحفظوا { لَكُمْ } عهدكم { فَٱسْتَقِيمُواْ لَهُمْ } بل أنتم أولي لرعاية حرمة المسجد الحرام { إِنَّ ٱللَّهَ } المصلح لأحوال عباده { يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ } [التوبة: 7] الذي يحفظون نفوسهم عن سوء الأدب مع الله في جميع أحوالهم، سيما رعاية حرمة بيته الحرام.