{ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ } منتزهات من العلم والعين والحق { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } أي: أنهار المعارف والمكاشفات المتجددة حسب تجددات التجليات الإلهية { خَالِدِينَ فِيهَا } أبداً لا يتحولون عنها أصلاً { وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً } أي: مقراً في مقام التوحيد، خالياً عن وصمة الكثرة، طاهراً عن لوث السّوى والأغيار مطلقاً { فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَ } بالجملة: { رِضْوَانٌ } وقبول { مِّنَ ٱللَّهِ } المستوي على العدل القويم، بحيث لا يسخط لهم أصلاً؛ لتحققهم بمقام التخلق بأخلاقه سبحانه، بحيث لا يبقى لهم شائبة انحراف عن صراطه المستقيم الذي هو صراط الله الأقوم الأعدل { أَكْبَرُ } من جميع ما ذكر من قبل من المدرجات العليَّة { ذٰلِكَ } الرضا من الله، والقبول من جانبه { هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } [التوبة: 72] واللطف الجسيم لأرباب الولاء، الواصلين إلى مرتبة الفناء فيه سبحانه والبقاء ببقائه، لذلك وعدوا من عنده بما لا يمكن التعبير عن كنهه إلا كوشف به وشوهد.
{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ } الهادي لعباد الله إلى تلك المرتبة بإذن الله { جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ } المتمردين على الإطاعة الانقياد لإرشادك وتكميلك { وَٱلْمُنَافِقِينَ } الذين يحليون ويخدعون معك في إظهار الإيمان، وهم في سرهم وباطنهم على شركهم وكفرهم الأصلي متقررون ثابتون { وَ } بعدما أصروا على نفاقهم وشقاقهم { ٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ } حسب إصرارهم وإعراضهم { وَ } لا تبال بهم؛ { مَأْوَاهُمْ } ومنقلبهم { جَهَنَّمُ } العبد والخذلان في الدنيا والآخرة { وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } [التوبة: 73] مصير أولئك المحرومين المطرودين عن ساحة عز القبول.
ومن جملة نفاقهم وكفرهم: إنهم { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ } كذباً وميناً، إنهم { مَا قَالُواْ } من الطعن في كتاب الله وتكذيب رسوله صلى الله عليه وسلم { وَ } الحال أنهم { لَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلْكُفْرِ } أي: كلمة الطعن والتكذيب المستلزم للكفر، فحلفوا على عدم القول كذباً { وَ } هم في أنفسهم { كَفَرُواْ } بالحق وأعرضوا عنه { بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ } أي: انقيادهم وتسليمهم؛ أي: اختاروا الكفر بعدما أظهروا الإسلام { وَ } لا يقتصرون على إظهار الكفر فقط، بل { هَمُّواْ } وقصدوا { بِمَا لَمْ يَنَالُواْ } من قتبل الرسول صلى الله عليه وسلم والاقتحام عليه بغتة في الليل بلا علم من أصحابه، او هموا بإخراجه ومن معه من أصحابه من المدينة { وَمَا نَقَمُوۤاْ } وقصدوا إهلاك رسول الله صلى الله عليه وسلم وإخراجه { إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ ٱللَّهُ } أي: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بفتح أبواب الرزق والمكاسب { وَرَسُولُهُ } بإعطاء الغنائم { مِن فَضْلِهِ } ففي مقام الشكر وإظهار المنة ينكرون له، ويكفرون نعمه وبعدما وقع ما وقع.
{ فَإِن يَتُوبُواْ } عمَّا صدر عنهم توبة صادرة عن محض الندامة والإخلاص { يَكُ خَيْراً لَّهُمْ } عند الله، يغفر لهم ويعفوا عن زلتهم { وَإِن يَتَوَلَّوْا } ويعرضوا عن التوبة، ويصروا على ما هم عليه من الكفر والنفاق { يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ } المنتقم منهم { عَذَاباً أَلِيماً } مؤلماً فجيعاً { فِي ٱلدُّنْيَا وَ } بالقتل والسبي والإجلاء والإذلال، وأنواع العقوبات في { ٱلآخِرَةِ } بأضعاف ما في الدنيا والآفها؛ لانحطاطهم عن المرتبة الإنسانية، وقبول التكاليفات الإلهية المقتضية لإظهار الحكمة والكرامة المودعة في هياكلهم { وَ } إن استظهروا واستنصروا من أوليائهم { مَا لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ } بعد انتشار دين الإسلام في أقطارها { مِن وَلِيٍّ } يعينهم ويولي أمورهم { وَلاَ نَصِيرٍ } [التوبة: 74] ينصرهم من باس الله وعذابه.