التفاسير

< >
عرض

قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي ٱللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَىۤ أَجَلٍ مُّسَـمًّـى قَالُوۤاْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ
١٠
قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَآ أَن نَّأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَعلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ
١١
وَمَا لَنَآ أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَآ آذَيْتُمُونَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ
١٢
وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُمْ مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ ٱلظَّالِمِينَ
١٣
وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ
١٤
-إبراهيم

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

الإشارة في تحقيق قوله تعالى: { قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي ٱللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [إبراهيم: 10] أن السماوات والأرض تدلان بما كون فاطر فطرهما فإن ثبوتهما بلا كون مكون واجب الكون محال؛ لأنه يؤدي إلى التسلسل والتسلسل محال، وذلك الكون هو الله { يَدْعُوكُمْ } من المكونات إلى المكون لا لحاجته إليكم بل لحاجتكم إليه { لِيَغْفِرَ لَكُمْ } بصفة الغفارية { مِّن ذُنُوبِكُمْ } التي أصابكم من حجب ظلمات خليقة السماوات والأرض فاحتجبتم بها عنه { وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَىۤ أَجَلٍ مُّسَـمًّـى } المعنى لنا أخرجكم من حجب الظلمات بصفة الغفارية يؤخركم عن السير في الصفات والذات إلى أوانه حكمة منه { قَالُوۤاْ } أي: للرسل { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } تعبدون الهوى والدنيا كما كان يعبد آباؤنا { تُرِيدُونَ } بمقالتكم { أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا } الدنيا وشهواتها لتتمتعوا بها دوننا { فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } ببرهان يبين لنا صدق دعواكم.
{ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ } [إبراهيم: 11] أي: كنا { مِّثْلُكُمْ } في البشرية نعبد الهوى والدنيا { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } بأنهم يهديهم للإيمان وللمعرفة والمحبة؛ ليتركوا ما سواه ويطلبوه ببذل الموجود في نيل المقصود فإذا وجدوه دلوا عباده عليه وذلك { وَمَا كَانَ لَنَآ أَن نَّأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي: أتيكم بما يتسلط عليكم ليفطركم إلى الله { وَعلَى ٱللَّهِ } في الهداية إليه { فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } الذين يؤمنون بالوصول إليه.
{ وَمَا لَنَآ أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ } [إبراهيم: 12] في الهداية { وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا } وهي الإيمان والمعرفة والمحبة فإنهما سُبل الوجد ومقاماته، فكذلك يهدي لنا إليه إذا توكلنا عليه { وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَآ آذَيْتُمُونَا } بالتكذيب ورد الدعوة والإعراض عن الله { وَعَلَى ٱللَّهِ } في الهداية إليه { فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ } على الله في الهداية إلى سبيله فإن للتوكل مقامات فتوكل المبتدئ قطع النظر عن الأسباب في طلب المرام ثقة بالمسبب، وتوكل المتوسط قطع تعلق الأسباب، وتوكل المنتهي قطع التعلق بما سوى الله للاعتصام بالله.
{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [إبراهيم: 13] أي: ستروا الحق بالباطل وهم النفس والهوى { لِرُسُلِهِمْ } وهو القلب والروح فإنهما محل إلهام الحق { لَنُخْرِجَنَّـكُمْ مِّنْ أَرْضِنَآ } أو أرض الإنسانية { أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا } وهي طلب الدنيا وشهواتها والتلذذ بنعيمها { فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ } ألهمهم { لَنُهْلِكَنَّ ٱلظَّالِمِينَ } أي: لنهلكن النفس والهوى بسطوات أنوار الشريعة في استعمالها بالطريقة.
{ وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ ٱلأَرْضَ } [إبراهيم: 14] أرض الإنسانية { مِن بَعْدِهِمْ } أي: من بعد هلاكهم وتبدل أخلاقهم بأخلاق الروحانية والربانية { ذٰلِكَ } أي: ذلك الغلبة والتمكن والاستيلاء { لِمَنْ خَافَ مَقَامِي } أي: خاف مقام الوصول، وقال: العوام يخافون دخول النار والمقام فيها، والخواص يخافون فوات المقام في الجنة لأنها دار المقامة، واخص الخواص يخافون فوات مقام الوصول { وَخَافَ وَعِيدِ } أي: وعيد القطيعة والبعد.