التفاسير

< >
عرض

وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ ٱلْعَذَابُ فَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوۤاْ أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ
٤٤
وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ ٱلأَمْثَالَ
٤٥
وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ
٤٦
فَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ
٤٧
يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ الْقَهَّارِ
٤٨
-إبراهيم

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

ثم أكد هذا المعنى بقوله تعالى: { وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ ٱلْعَذَابُ فَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ } [إبراهيم: 44] يعني أرجعنا إلدنيا { أَخِّرْنَآ } لنطيعك { نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَ } كما أخرتنا وألبستنا لازدياد الإثم بمعاصيك في الدنيا.
ثم أجابهم بقوله: { أَوَلَمْ تَكُونُوۤاْ أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ } يشير به إلى المناسخة فإنهم يزعمون ألاّ زوال لهم في الدنيا ولا أحد منهم إذا مات ينقل روحه إلى قالب آخر فأرادوا بهذا الجواب أن لو رجعناكم إلى الدنيا لتحقق عندكم مذهب التناسخ وما أقسمتم من قبل على ما لكم من زوال.
{ وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ } [إبراهيم: 45] أي: أقمتم مقامات الظالمين على أنفسهم في السير على قدمي الظلم والمعاصي إلى منازل الأشقياء { وَتَبَيَّنَ لَكُمْ } أي: بعد أن تبين لكم { كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ } أي: بالأشقياء حين نزلهم منازلهم وشاهدتم أحوالهم { وَضَرَبْنَا لَكُمُ ٱلأَمْثَالَ } يشير إلى أن الحقائق والمعاني الغيبية لا تتبين إلا بالأمثال كقوله تعالى:
{ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً } [النحل: 75].
{ وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ } [إبراهيم: 46] أي: إن كان مكرهم هذا الأمر لا يقدر بشر إلا بإذن الله { فَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ } [إبراهيم: 47] في جزاء أهل المكر { إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ } في ذاته لا يهدي إليه كل ماكر { ذُو ٱنْتِقَامٍ } لأهل المكر حيث ينتقم منهم على قدر مكرهم.
{ يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ } [إبراهيم: 48] أي: نبدل أرض البشرية بأرض القلوب فتضمحل ظلماتها بأنوار القلوب وتبدل السماوات بالأسرار بسماوات الأرواح، فإن شموس الأحوال إذا تجلت على كواكب الأسرار أفنت تحت أنوار كواكبها بسطوة أشعة شموسها، بل تبدل أرض الوجود المجازي عند إشراق تجلي أنوار الربوبية بحقائق أنوار الوجود الحقيقي.
كما قال:
{ وَأَشْرَقَتِ ٱلأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا } [الزمر: 69] { وَبَرَزُواْ } عن الوجود المجازي { لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ } أي: لله ووحدانيته { الْقَهَّارِ } لا يعجزه ما سواه فإن شموس الأرواح عند تجلي نور الألوهية تمحى بسطوته كما تمحى الكوكب عند تجلي شموس الأفلاك والأرواح.