التفاسير

< >
عرض

وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً
٥٩
وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِي ٱلقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً
٦٠
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً
٦١
-الإسراء

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

ثم أخبر عن آيات إرساله الآيات بقوله تعالى: { وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ } [الإسراء: 59] يشير إلى اختصاص هذه الأمة بالرحمة والعناية كرامة لوجه حبيبه ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك أن الأمم السالفة مثل ثمود وغيرها لما التمست الآيات من أنبيائهم فأرسل الله بها، ثم لم يؤمنوا وجحدوا أنها من عند الله كما قال: { وَآتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً } [الإسراء: 59] ليؤمنوا فلم يؤمنوا بها وعقروها وكذبوا، جرت سنة الله على ألا يهلكهم ويعذبهم ويأخذهم نكال الآخرة والأولى، فلما التمست قريش من النبي الآيات مثل أن يجعل الله لهم الضفادع وغيرها.
كما قال تعالى: { وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ } [الإسراء: 59] أي: وما منعنا الرحمة السابقة غضباً في الأزل أن نسعف ملتمسهم إلا أنا علمنا أنهم لا يؤمنون بها ولا يكذبون بها كما { كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ } [الإسراء: 59] فيقضي السنة التي لا تبديل لها أن تهلك أمتك كما أهلكنا الأولين، وقد سبقت لأمتك منا كرامة لك ألا نعذبهم وأنت فيهم.
{ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ } [الإسراء: 60] أي: أحاط بما في نفوس الناس من الخير والشر علماً فيعلم ما هو مقتضى كل نفس ولهذا قال: { وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِي ٱلقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً } [الإسراء: 60] ولا يزيدهم التخويف إلا الطغيان؛ لأنه تعالى كان عالماً بحال نفوس أهل الشقاوة، منهم أنه صلى الله عليه وسلم إذا قص رؤياه عليهم أنهم يكذبونه، فجوَّز هذا التكذيب في حقهم؛ لأنه لم يكن بعد إرساله آية ملتمسة موجبة لهلاكهم ولم يجوِّزهم التكذيب بعد إرسال الآية الملتمسة الموجبة لهلاكهم فضلاً منه ورحمة.
ثم أخبر عن فضل آدم على الملائكة بوجوب السجود بقوله تعالى: { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ } [الإسراء: 61] إشارة إلى أن آدم عليه السلام كان مستحقاً لسجود الملائكة؛ وذلك لأنه تعالى خلق آدم فتجلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم وكانت السجدة في الحقيقة للحق تعالى، وكان آدم عليه السلام بمثابة الكعبة قبلة السجود فتسجد الملائكة لاستعداد ائتمارهم بأوامر الحق وانتهائهم عن نواهي الحق، كقوله تعالى:
{ { لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [التحريم: 6] فدل الائتمار بأوامر الحق والانتهاء عن نواهيه عن السعادة الأزلية { إَلاَّ إِبْلِيسَ } [الإسراء: 61] فإنه { { أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ } [البقرة: 34] فدلت المخالفة والإباء على الشقاوة الأزلية، ومن شقاوة إبليس { قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً } [الإسراء: 61] اعتراضاً وعجباً ونكراً فاستحق اللعن والطرد والبعد.