التفاسير

< >
عرض

وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم وَأَخْرِجُوهُمْ مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَٱلْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَٱقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَافِرِينَ
١٩١
فَإِنِ ٱنتَهَوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
١٩٢
-البقرة

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

ثم أخبر عن إقامة حق الاستقامة بقوله تعالى: { وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم وَأَخْرِجُوهُمْ مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ } [البقرة: 191]، إلى قوله تعالى: { فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ } [البقرة: 193] والإشارة فيها: { وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ }؛ أي: اقتلوا الكافر النفس وهواها من قلوبكم كما أخرجتكم من جمعية القلب وحضوره، { وَٱلْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلْقَتْلِ } [البقرة: 191]؛ يعني: المحنة التي ترد على القلوب من طوارق فتنة النفس؛ لتحجبها عن الله أشد من المحن التي ترد على النفوس من القتل بمخالفة هواها، فإن حياتها بمألوفاتها، وحياة القلب لا تكون إلا بالله، { وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } [البقرة: 191]؛ يعني: لا تلتفتوا إلى النفس وصفاتها حتى تكونوا آمنين مطمئنين في مقامات القلب والروح، ولا تنازعوهم مما نازعوكم، وكونوا مراقبين أحوالكم وحضور قلوبكم مع الله، { حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ } [البقرة: 191]؛ أي: يزاحكمونكم في الحضور، ويسمونكم بالهواجس ودواعي الهوى، { فَإِن قَاتَلُوكُمْ } [البقرة: 191]، نازعوكم في الجمعية والحضور، { فَٱقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَافِرِينَ } [البقرة: 191]، بسيف الصدق، واقطعوا ثائرة تلك الدواعي عن نفوسكم بكل ما أمكن؛ لئلا تبقى لكم علاقة تصدكم عن ذكر الله.
{ فَإِنِ ٱنتَهَوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [البقرة: 192]؛ يعني: إذا انقطع عنك مزاحمة النفس وهواها وانخمدت نار شهواتها وسكنت دواعيها وقنعت بما لا بد لها فصارت كالذمي لا يجوز أذيتها، فدعوها مع ذاتها وإعطاء جزيتها بأداء الحقوق وترك الفضول في الحظوظ، ولا تؤذوها بالقلق في مجاهداتها، وإن من طولب بحفظه الأسرار لا يفرغ إلى مجاهدات النفوس بل المطلوب فراغ القلب عما سواه وحضوره مع مولاه.