التفاسير

< >
عرض

طه
١
مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ
٢
إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ
٣
تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَقَ ٱلأَرْضَ وَٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱلْعُلَى
٤
ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ
٥
لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ ٱلثَّرَىٰ
٦
وَإِن تَجْهَرْ بِٱلْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخْفَى
٧
ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ
٨
-طه

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ طه * مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ } [طه: 1-2] إلى قوله: { لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ } [طه: 8] { طه } يشير إلى: النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: يا من طوي به بساط النبوة، وأيضاً: يا من طويت له المكونات إلى ما يشاء { مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ } [طه: 2] في الدنيا والعقبى، بل أنزلناه على قلبك؛ لتسعد بتخلقك بخلقه لتكون على خلق عظيم، وليسعد بك أهل الأولين والآخرين من أهل السماوات وأهل الأرض، ولتكون رحمة للعالمين، كما قال: { إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ } [طه: 3] يعني: عظة لمن يخشى الله بالغيب، ويؤمن بنبوتك، ويقبل رسالته { تَنزِيلاً } [طه: 4] على قلبك { مِّمَّنْ خَلَقَ ٱلأَرْضَ } [طه: 4] أرض بشريتك { وَٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱلْعُلَى } [طه: 4] سماوات روحانيتك التي هي أعلى الموجودات وأول المخلوقات كما قلت: أول ما خلق الله روحي { ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ } [طه: 5] أي: بصفته الرحمانية { ٱسْتَوَىٰ } [طه: 5] على عرش قلبك؛ ليكون لك معه وقت لا يسعك فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل { لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } [طه: 6] الروحانية من الصفات الحميدة { وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } [طه: 6] البشرية من الصفات الذميمة { وَمَا بَيْنَهُمَا } [طه: 6] من القلب ما فيه من الإيمان والإيقان والصدق والإخلاص { وَمَا تَحْتَ ٱلثَّرَىٰ } [طه: 6] أي: ما هو مركوز في جبلة الإنسانية.
{ وَإِن تَجْهَرْ بِٱلْقَوْلِ } [طه: 7] أي: تظهر من صفاتك بالقول { فَإِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ } [طه: 7] وهو ما تظهر من سريرتك { وَأَخْفَى } [طه: 7] بالقول وهو ما أخفى الله من خفيتك، فالسر بإصلاح أهل التحقيق لطيفة بين القلب والروح وهو معدن أسرار الروحانية، والخفى لطيفة بين الروح والحضرة الإلهية، وهو مهبط أنوار الربوبية وأسرارها، فافهم جيداً واغتنم.
ولهذا قال عقب قوله: { يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخْفَى } [طه: 7] قوله: { ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ } [طه: 8] إشارة إلى أن مظهر ألوهيته وصفاته العليا وأسمائه الحسنى إنما هو الخفي الذي هو أخفى من السر؛ أي: ألطف وأعز وأعلى وأشرف وأقرب إلى الحضرة منه ألا وهو سر
{ { وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا } [البقرة: 31] وهو حقيقة قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله خلق آدم فتجلى فيه" .
ثم اعلم أن لطيفة السر التي تكون بين القلب والروح موجودة في كل إنسان مؤمن أو كافر عند نشأته الأولى، والخفي قد نشأ عند نشأته الأخرى، فلهذا يمكن أن يكون كل إنسان مؤمن أو كافر بعدد أسرار الروحانية وجملتها المعقولات، ولا يمكن إلا لمؤمن موحداً أن يكون مهبط أنوار الربانية وأسرارها وجملتها المشاهدات والمكاشفات وحقائق العلوم اللدنية.