التفاسير

< >
عرض

وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَآئِهِنَّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِيۤ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَآئِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ ٱلتَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي ٱلإِرْبَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ أَوِ ٱلطِّفْلِ ٱلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَىٰ عَوْرَاتِ ٱلنِّسَآءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
٣١
-النور

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ } [النور: 31] من النفس والقلب والروح { يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ } عما مر ذكره ولأن المطالبة على النساء كالمطالبة على الرجال؛ لشمول تكليف الجنسين، فالواجب عليهن ترك المحظورات والندب والنفس لهن صون القلب عن الشواغل والخواطر الدنية، ثم إن ارتقينا بالهمم العالية، وهذه الحالة فالتعامي بقلوبهن عن غير المعبود، فإن للنساء نصيب، ويقال: قرن الله النهي عن النظر في المحارم يذكر حفظ الفرج فقال: { وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ } [النور: 31] تنبيهاً على عظم خطر النظر فإنه يدعو إلى الإقدام على الفعل وقال صلى الله عليه وسلم: "النظر سهم من سهام إبليس" سهمي الذي لا يخطئ النظر وأنشدوا:

وأنتَ إذا أرسلتَ طَرفَك رائداً
لقلبِك يوماً أتْعَبَتْكَ المناظرُ

وقالوا: مَنْ أرسل طَرْفَه اقتضى حَتْفَه.
{ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا } [النور: 31] يشير إلى كتمان ما زين الله به سرائرهم من صفاء الأحوال وزكاة الأعمال، فإن بالإظهار بتقلب الزينة شيئاً إلا ما ظهر منها بتصرف ولرد حق أو يظهر عن واحد منهم نوع كرامة تكلف فلذلك مستثنى؛ لأنه غير مؤاخذ عالم يكمن بتصرفه وتكلفه { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ } [النور: 31] جيوب قلوبهن { وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ } [النور: 31] أي: يخفون الأحوال { إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَآئِهِنَّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِيۤ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَآئِهِنَّ } [النور: 31] يُشير إلى الشيوخ المتصرفين فيهم والأحوال المعاونين لهم والمريدين من المتمسكين بهم { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } [النور: 31] يعني: من تملكوا على نفوسهم بحسن الإرادة.
{ أَوِ ٱلتَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي ٱلإِرْبَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ } [النور: 31] أي: لأتباعهم الذين ليسوا من أهل الدنيا أرباب المناصب، فيكون للنفس في إظهار الأحوال والأسرار ثم إلى طلب الجاه عندهم والرئاسة على غيرهم.
{ أَوِ ٱلطِّفْلِ ٱلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَىٰ عَوْرَاتِ ٱلنِّسَآءِ } [النور: 31] وهم أطفال الطريقة من أهل الإرادة غير مطلع على أسرار الشيوخ لهدايتهم إلى سبيل الرشاد وتشويقاً لهم إلى كمالات العباد على نية النصيحة والمعاونة على البر والتقوى { وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ } [النور: 31]، ولا يعتمدوا إلى قول وفعل وإظهار حال ليعلم ما هو المخفي من أحوالهم على الأغيار.
وبقوله تعالى: { وَتُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } [النور: 31] يشير إلى أن التوبة كما هو واجبة على المبتدئ عن ذنوب مثله فهي لازمة للمنتهي عن ذنوب مثله، فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"توبوا إلى الله فإني أتوب إليه في كل يوم مائة مرةٍ" فتوبة المبتدئ من المحرمات وتوبة المتوسط من ذوائب المحالات وتوبة المنتهي بإعراض عما سوى الله بكليته والإقبال على الله بكليته { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [النور: 31] ففلاح المبتدئ من النار إلى الجنة والمتوسط من أرض الجنة إلى أعلى عليين مقامات القرب ودرجاتها، والمنتهى من جنس الوجود المجازي إلى الوجود الحقيقي ومن ظلمة الخليقة إلى نور الربوبية.