التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلضَّآلُّونَ
٩٠
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ ٱلأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ
٩١
لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ
٩٢
-آل عمران

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

ثم أخبر عن الإمعان في الكفر بعد الإيمان بقوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلضَّآلُّونَ } [آل عمران: 90]، إشارة في الآيتين: إن الذين ستروا أنوار الأرواح بأستار الصفات البشرية، وحجب الأوصاف الحيوانية بعد إيمانهم بإقرار التوحيد عند الميثاق، إذا قال: { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ } [الأعراف: 172]، { ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً } [آل عمران: 90]، بمتابعة الهوى ومخالفة الشرع والحق، وتربية الصفات السبعية والشيطانية، { لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } [آل عمران: 90]، الصادرة منهم باللسان دون إنابة القلب وسلامته من أوصاف الكفر؛ وهي من أحب الدنيا وإتباع الهوى والإقبال على شهوات النفس والإعراض عن الحق، { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلضَّآلُّونَ } [آل عمران: 90]، في نية البهيمية والأخلاق السبعية حالة التوبة، ولا يهيمون أن يخرجوا منها بقدم الأنانية.
{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ } [آل عمران: 91]، وضلوا في هذا النية { وَمَاتُواْ } [آل عمران: 91]؛ أي: ماتت قلوبهم { وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ ٱلأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِه } [آل عمران: 91]؛ أي: بملء الأرض ذهباً من عذاب موت القلب { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [آل عمران: 91]، بموت القلب وفقد المعرفة { وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } [آل عمران: 91]، على إحياء القلب بنور المعرفة، كما أحيى الله تعالى قلب المؤمن بنور المعرفة كقوله تعالى:
{ أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَٰهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً } [الأنعام: 122].
ثم أخبر عن نيل البر وإنه من إنفاق ما أحب إلى البر بقوله تعالى: { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } [آل عمران: 92]، إشارة في الآية: إنكم { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ } [آل عمران: 92]، والبار هو صفته، { حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } [آل عمران: 92]؛ أي: من أنفسكم؛ وهي أحب الأشياء إلى الخلق، { وَمَا تُنْفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } [آل عمران: 92]؛ يعني: أنفسكم في الله { فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } [آل عمران: 92]، فبقدر ما تكونون له يكون لكم، كما قال: "من كان لله كان الله له"، إن الفراش ما نال من بر الشمع وهو شعلة حتى أنفق مما أحبه؛ وهو نفسه، فافهم جيداً.