التفاسير

< >
عرض

بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ
١٢
وَإِذَا ذُكِّرُواْ لاَ يَذْكُرُونَ
١٣
وَإِذَا رَأَوْاْ آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ
١٤
وَقَالُوۤاْ إِن هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ
١٥
أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ
١٦
أَوَ آبَآؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ
١٧
قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ
١٨
فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ
١٩
وَقَالُواْ يٰوَيْلَنَا هَـٰذَا يَوْمُ ٱلدِّينِ
٢٠
هَـٰذَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ
٢١
ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ
٢٢
مِن دُونِ ٱللَّهِ فَٱهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْجَحِيمِ
٢٣
وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ
٢٤
-الصافات

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

ثم أخبر عن خذلان أهل الحرمان بقوله تعالى: { وَإِذَا ذُكِّرُواْ لاَ يَذْكُرُونَ } [الصافات: 13]، يشير إلى أنهم نسوا الله غاية النسيان بحيث لا يذكرونه، { وَإِذَا ذُكِّرُواْ } يعني: الله { لاَ يَذْكُرُونَ } لا يتذكرون، { وَإِذَا رَأَوْاْ آيَةً } [الصافات: 14]؛ أي: رجلاً يكون آية من آيات الله { يَسْتَسْخِرُونَ } [الصافات: 14]؛ يسخرون به ويعرضون عن الإيمان، ويقولون لما يأتي به: { إِن هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ * أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَ آبَآؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ } [الصافات: 15-17] يبعثون.
قالوا: على وجهة الاستبعاد والمعرفة لهم مفقودة، والبصائر لهم مسدودة، وقلوبهم عن التوحيد مصدودة، { قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ } [الصافات: 18] على وجه الفقر تبعثون، وبزجرةٍ واحدةٍ تحشرون، كما قال: { فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ } [الصافات: 19] قيام { يَنظُرُونَ } [الصافات: 19]، حيارى كأنهم سكارى، { وَقَالُواْ يٰوَيْلَنَا هَـٰذَا يَوْمُ ٱلدِّينِ } [الصافات: 20] دعوا بالويل على أنفسهم حين لا ينفعهم الويل؛ فيقال لهم: { هَـٰذَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ } [الصافات: 21] الذي كذبتم به، وقد عاينتم { ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ * ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ } [الصافات: 21-22]، يشير به إلى حشر النفوس ولعبادها { وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ * مِن دُونِ ٱللَّهِ } [الصافات: 22-23] من الهوى والدنيا والشيطان { فَٱهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْجَحِيمِ } [الصافات: 23]، فإنهم كانوا في الدنيا يهدون إلى هذا الصراط، وأنهم يحشرون على ما ماتوا عليه، وكذلك من أعان صاحب فترة في فترته أو صاحب زلة في زلته كان مشاركاً في عقوبته، واستحقاق طرده وإبعاده، كما أشركت النفوس والأجساد في الثواب والعقاب؛ لقوله: { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ } [الصافات: 24]، فيه إشارة إلى أن للسالك في كل مقام وقفة تناسب ذلك المقام، وهو مسئول عن أداء حقوق ذلك المقام، فإن خرج عن عهدة جوابه بالصواب أذن في العبور وإلاَّ بقي موقوفاً رهيناً بأحواله إلى أن يؤدي حقوقه، فمن السؤال صعب وقوم يسألهم الملك، فالذين يسألهم الملائكة أقوام لهم أعمال صالحة تصلح للعرض والكشف، وأقوام لهم أعمال لا تصلح للكشف، وهم قسمان:
الخواص يسترهم الحق عن إطلاع الخلق عليهم في الدنيا والآخرة.
وأقوام هم أرباب الزلات يختصهم الله برحمته فلا يفضحهم.
ثم إنهم يكونون في بعض أحوالهم بعين الهيبة، وفي بعض أحوالهم بنعت البسط والقربة، وفي الخبر: إن أقواماً يسترهم بكنفه، عن عبد الله بن عمر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"إن الله يُدني المؤمنين يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه يستره من الناس، فيقول: أي عبدي تعرف ذنبك كذا وكذا، فيقول: نعم أي رب، ثم يقول: أي عبدي تعرف ذنبك كذا وكذا، فيقول: نعم أي رب، حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه قد هلك قال: فإني سترتها عليك في الدنيا، وقد غفرتها لك اليوم، ثم يعطى كتاب حسناته، وأما الكفار والمنافقين فيقول الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم، ألا لعنة الله على الظالمين" ، حديث متفق على صحته.
وأما الأغيار والأجانب فيقال لهم: { كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً } [الإسراء: 14] فإذا قرءوا كتابهم يقال لهم ما جزاء من عمل هذا؟ فيقول: جزاؤه النار، فيقال لهم: ادخلوها بحكمهم.