التفاسير

< >
عرض

تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
١٣
وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ
١٤
وَٱللاَّتِي يَأْتِينَ ٱلْفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَٱسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي ٱلْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ ٱلْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً
١٥
وَٱللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً
١٦
-النساء

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

وفي قوله تعالى: { تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ } إشارة إلى: إن تلك الوراثة والأنصباء حدود حدها الله لورثة الدين على قدر تعارف أرواحهم في عالم الأرواح، وعلى نسبته مناسباً في القرابة النسبية والسببية، كما قال صلى الله عليه وسلم: "الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف" .
{ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } [النساء: 13] فقد حق نسبته في الدين، { يُدْخِلْهُ } [النساء: 13] نسبه، { جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا } [النساء: 13] على قدر استحقاقه في الوراثة المحققة بالطاعة؛ لأنه من الوارثين { { ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ } [المؤمنون: 11]، { وَذٰلِكَ } [النساء: 13] الوراثة والميراث، { ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } [النساء: 13].
{ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } [النساء: 14] فقد حق إبطال نسبته في الدين، { وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ } [النساء: 14] في الوراثة بقرابة الدين عصيانه ويعذبه { يُدْخِلْهُ نَاراً } [النساء: 14]؛ اي: نار القطيعة والحرمان على قدر استحقاقه في المعصية والتعدي، { خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } [النساء: 14] من هذا الخلود في نار الحسرة والحرمان، وفوات نعيم الجنان ولقاء الرحمن.
ثم أخبر عن مهاد أهل الفواحش بقوله تعالى: { وَٱللاَّتِي يَأْتِينَ ٱلْفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ } [النساء: 15]، إشارة في الآيتين: إن اللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم هي النفوس الأمارة بالسوء، والفاحشة: ما حرمته الشريعة من أعمال الظاهر وهي المعاصي، وحرمته الطريقة من أحوال الباطن وهي الركون إلى غير الله تعالى، يدل عليه قوله تعالى:
{ { إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } [الأعراف: 33]، فما ظهر منها فهو الأعمال، وما بطن منها فهو الأحوال، وقال صلى الله عليه وسلم: "لسعد غيور وأنا أغير منه والله أغير منا" ؛ ولهذا حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، { فَٱسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ } [النساء: 15]؛ أي: على النفوس بإتيان الفاحشة، { أَرْبَعةً مِّنْكُمْ } [النساء: 15]؛ أي: من خواص العناصر الأربعة التي أنتم منها مركبون وهي:
التراب: ومن خواصه الخسة والركاكة، والذلة والطمع، والمهتانة واللوم، والماء: ومن خواصه اللين والعجز والكسل، والأنوثة والخبوثة، والشره في المأكل والمشرب، والهواء: ومن خواصه الحرص والحسد والبخل، والحقد والعداوة، والشهوة والزينة، والنار: ومن خواصها التبختر والتكبر، والفجر والصلف، والغضب والحدة وسوء الخلق وغير ذلك مما يتعلق بالأخلاق الذميمة، ورأسها حب الدنيا والرياسة واستياء لذاتها وشهواتها، { فَإِن شَهِدُواْ } [النساء: 15]؛ أي: يظهر بعض هذه الصفات من النفوس، { فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي ٱلْبُيُوتِ } [النساء: 15]، فاحبسوهن في سجن المنع عن التمتعات الدنيوية، فإن الدنيا سجن المؤمن، وأغلقوا عليهن أبواب الحواس الخمس { حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ ٱلْمَوْتُ } [النساء: 15]؛ أي: تموت النفس إذا انقطع عنها حظوظها دون حقوقها، إلى هذا أشار بقوله صلى الله عليه وسلم:
"موتوا قبل أن تموتوا" ، { أَوْ يَجْعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً } [النساء: 15]، بانفتاح روزنة القلوب إلى عالم الغيب، فتهب منها ألطاف الحق وجذبات الإلوهية التي جذبة منها توازي عمل الثقلين.
{ وَٱللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ } [النساء: 16]؛ أي: النفس والغالب اللذان يأتيان الفواحش في ظاهر الأفعال والأعمال، وباطن الأحوال والأخلاق { فَآذُوهُمَا } [النساء: 16]، ظاهراً بالحدود، وباطناً بترك الحظوظ وكثرة الرياضات والمجاهدات، { فَإِن تَابَا } [النساء: 16] ظاهراً وباطناً، { وَأَصْلَحَا } [النساء: 16] كذلك { فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَآ } [النساء: 16] باللطف بعد العنف، وبالرفق بعد الخرق، وباليسر بعد العسر،
{ فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } [الشرح: 5]، { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّاباً } [النساء: 16]، لمن تاب، { رَّحِيماً } [النساء: 16] لمن أصلح.