التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي
ثم أخبر أن آجالهم تدرك آمالهم بقوله تعالى: { أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ } [النساء: 78]، إشارة في الآيتين: إن يا أهل البطالة في زي الطلبة والبطلة الذين غلب عليكم الهوى وحب الدنيا فأقعدكم عن طلب المولى، ثم { { أَرَضِيتُمْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [التوبة: 38] واطمأننتم بها، { أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ } [النساء: 78] اضطراراً إن لم تموتوا قبل أن تموتوا اختياراً، { وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ } [النساء: 78] أجساد مجسمة قوية أمزجتها، { وَإِن تُصِبْهُمْ } [النساء: 78]؛ يعني: أهل البطالة من مدعي الطلب، { حَسَنَةٌ } [النساء: 78]، من شواهد الغيب وفتوحاته، { يَقُولُواْ هَـٰذِهِ } [النساء: 78] الفتوحات { مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } [النساء: 78]، لا يرون للشيخ فيها عليهم حقاً، { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ } [النساء: 78] من الرياضة والمجاهدات، { يَقُولُواْ } [النساء: 78] للشيخ، { هَـٰذِهِ مِنْ عِندِكَ } [النساء: 78]؛ أي: بسببك وسعيك، { قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } [النساء: 78]، القبض والبسط، والفرح والشرح، والفتوح والجروح، { فَمَالِ هَـٰؤُلاۤءِ ٱلْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً } [النساء: 78]، خاصته هذا الحديث وما يقاسي أهله من الشدائد والمحن حتى أورثتهم الفوائد والمنح.
{ مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ } [النساء: 79] فتوح وموهبة { فَمِنَ ٱللَّهِ } [النساء: 79]؛ أي: فمن مواهبه فضلاً وكرماً، وإن كان يتصرف الشيخ وقوة ولايته وتأثير همته فيك، { وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ } [النساء: 79] شدة وبلاء وهم وعناء { فَمِن نَّفْسِكَ } [النساء: 79]؛ أي: من صفات نفسك وخاصية أمارتها بالسوء وشوب معاملاتها بالهوى، وسعيها واكتسابها في طلب شهوات الدنيا ولذاتها، كقوله تعالى: { وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ } [البقرة: 286].
ثم اعلم أن الأعمال أربع مراتب: منها: مرتبتان لله تعالى وليس للعبد فيها مدخل التقدير والخلق، وإن الله تعالى قدر الأشياء قبل خلقها، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى فرغ من الخلق والخلق والرزق والأجل" ؛ يعني: قدَّر هذه الأشياء وفرغ من تقديرها؛ لأنه يخلق كل يوم وساعة ولحظة { { خَلْقاً آخَرَ } [المؤمنون: 14]، كيف فرغ من الخلق؟ فافهم جيداً.
ومنها: مرتبتان للعبد وليس لله فيها مدخل وهما: الكسب والفعل، فإن الله تعالى منزه عن الكسب والفعل بالسببية، وإنهما يتعلقان بالعبد؛ ولكن العبد وفعله وكسبه مخلوقة خلقها الله تعالى، كما قال عز وجل: { { وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } [الصافات: 96]، فهذا لتحقيق قوله تعالى: { قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } خلقاً وتقديراً، لا كسباً وفعلاً، فافهم واعتقد، فإنه مذهب أهل الحق وأرباب الحقيقة، ويشير بقوله تعالى: { وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً } [النساء: 79]؛ أي: للناس الذين نسوا الله ونسوا ما شاهدوا منه وعاهدوا عليه الله، { وَأَرْسَلْنَاكَ } [النساء: 79] رسولاً إليهم؛ لتبلغهم كلامنا، وتذكرهم أيامنا، وتجددهم عهودنا ترغبهم شهودنا، وتدعوهم إلينا وتهديهم إلى صراطنا، وتكون لهم { وَسِرَاجاً مُّنِيراً } [الأحزاب: 46]، يهتدون ويبتغون خطاك إلى أن توصلهم إلى الدرجات العلا وتنزلهم في المقصد الأعلى { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } [النساء: 79]؛ أي: شاهداً لأحبابه وأوليائه؛ لئلا يكتفوا براحة دون لقائه.