التفاسير

< >
عرض

وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً
٦
لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً
٧
وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينُ فَٱرْزُقُوهُمْ مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً
٨
وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً
٩
-النساء

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

والإشارة في قوله تعالى: { وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ } [النساء: 6]؛ أي: قلوب السائرين إلى الله تعالى، حتى إذا بلغوا مبلغ الرجال الكاملين البالغين، وابتلاهم بأدنى توسع في المعيشة بعد ما كانوا محجوبين عن التصرف مدة مديدة، { فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً } [النساء: 6]، بأن استمدوا بذلك على دينهم وزادوا في اجتهادهم وجدهم في الطلب، وكان كما قال الجنيد: أشبع الزِّنجي وكدَّه، { فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } [النساء: 6]، وهاهنا أضاف المال إليهم لما بلغوا حد الرجال الذين يكون المال لهم، فلا يكونون في المال كالسفهاء، فالعبد في هذا المقام يكون جائز التصرف في ممالك سيده كالعبد المأذون، وفي قوله تعالى: { وَلاَ تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافاً وَبِدَاراً } [النساء: 6]، الإشارة في الخطاب إلى تربيتهم من المشايخ فإنهم أولياء أطفال الطريقة وأوصياؤهم؛ يعني: فإن أنستم من المريدين البالغين رشد التصرف في أصحاب الإرادة وأرباب الطلب، فأوقعوا إليهم عنان التصرف بإجازة الشيخوخة ولا تمنعوهم مقام الشيخوخة إسرافاً وبداراً، غيرة وغبطة على المريدين، { أَن يَكْبَرُواْ } [النساء: 6] بالشيخوخة فتكسد أسواقهم، { وَمَن كَانَ غَنِيّاً } [النساء: 6] بالله من قوة الولاية ستظهر بالعناية { فَلْيَسْتَعْفِفْ } [النساء: 6] عن أمثال هذه الغيرة والغبطة، { وَمَن كَانَ فَقِيراً } [النساء: 6]، يفتقر بولاية المريد والانتفاع به في الصحبة { فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ } [النساء: 6]؛ أي: ينتفع به بأن يجيز له بالشيخوخة لا يغار عليه ويمده بالظاهر والباطن، وبإيمانه يتوسل إلى الله تعالى، فإن الله يكون في عون العبد ما دام في عون أخيه، وقال تعالى: { وَٱبْتَغُوۤاْ إِلَيهِ ٱلْوَسِيلَةَ } [المائدة: 35]، { فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } [النساء: 6] مقام الشيخوخة، { فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ } [النساء: 6] الله ورسوله وأرواح المشايخ، وأوصوهم بشرائط الشيخوخة ورعاية حقوقها مع الله والخلق وأنفسهم، { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً } [النساء: 6]، مكافياً ومجازياً لكم بحسن صنائعكم، ومحاسباً لهم فيما يراقبون الله تعالى في حفظ حدوده، ويراعون الخلق بأداء حقوقهم وترك حظوظ أنفسهم.
ثم أخبر عن نصيب كل نسيب بقوله تعالى: { لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ } [النساء: 7]، إشارة في الآيتين: إن للرجال وهم أقوياء الطلبة والسلاك نصيب بقدر صدقهم في الطلب، ورجوليتهم في الاجتهاد، { مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ } [النساء: 7]؛ وهم المشايخ والإخوان في الله والأعوان على الطلب، وتركهم سيرتهم في الدين وأنوار همتهم العلية، ومواهب ولايتهم السنية، { وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ } [النساء: 7]؛ يعني ضعفاء القوم، { مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً } [النساء: 7]؛ أي: قدراً معلوماً على قدر وفق صدق التجائهم وجدهم في الطلب، وحسن استعدادهم لقبول فيض الولاية، وهذا حال المجتهدين الذين هم ورثة المشايخ، كما أنهم ورثة الأنبياء، فأما المنتهون إلى ولايتهم بالإرادة وحسن الظن، والمقتبسون من أنوارهم والمقتفون على آثارهم، والمتشبهون بربهم والمتبركون بهم على تفاوت درجاتهم فهو بمثابة { وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينُ } [النساء: 8] إذا حضروا القسمة عند محافل صحبتهم ومجامع سماعهم ومجالس ذكرهم، فإنها مقاسم خيراتهم وبركاتهم، { فَٱرْزُقُوهُمْ مِّنْهُ } [النساء: 8]؛ أي: من مواهب ولايتهم، وآثار هدايتهم، وأعطاف رعايتهم، { وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } [النساء: 8] في التشويق وإرشاد الطريق والحث على الطلب والتوجه إلى الحق؛ والإعراض عن الدنيا وتقرير هوانها على الله وخسارة أهلها، وعزة أهل الله في الدارين وكمال سعادتهم في المنزلتين.
{ وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً } [النساء: 9] من مبتدئ المريدين ومتوسطهم، { خَافُواْ عَلَيْهِمْ } [النساء: 9] آفات المفارقة، إما سرف وإما توان { فَلْيَتَّقُواْ ٱللَّهَ } [النساء: 9]؛ أي: يوصونهم بالتقوى فإن التقوى جماع كل خير، { وَلْيَقُولُواْ } [النساء: 9]؛ أي: يأمرونهم؛ ليقولوا { قَوْلاً سَدِيداً } [النساء: 9]؛ وهو كلمة لا إله إلا الله؛ والمعنى: أنهم يأمرون بملازمة التقوى ومداومة الذكر، فإنهما الخطوتان اللتان توصلان العبد إلى الله تعالى.