التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي ٱلأَرْضِ قَالْوۤاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً
٩٧
إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً
٩٨
فَأُوْلَـٰئِكَ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً
٩٩
-النساء

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

ثم أخبر عن القاعدين الظالمين لأنفسهم بقوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ } [النساء: 97] إلى قوله: { غَفُوراً } [النساء: 99]، والإشارة فيها: إن المؤمنين عوام وخواص وخاص الخاص، كقوله تعالى: { { فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ } [فاطر: 32]؛ وهو العام، { وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ } [فاطر: 32]؛ وهو الخاص، { وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَاتِ } [فاطر: 32]؛ وهو خاص الخاص، فالذي { تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ } [النساء: 97]؛ فهم العوام الذين ظلموا على أنفسهم بتدسيسها من غير تزكيتها عن أخلاقها الذميمة وتحليتها بالأخلاق الحميدة ليفلحوا فخابوا وخسروا، كما قال الله تعالى: { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا } [الشمس: 9-10]، { قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ } [النساء: 97]؛ أي: قالت الملائكة حين قبضوا أرواحهم في أي غفلة كنتم تضيعون أعماركم تبطلون استعدادكم الفطري؟ وفي أي واد من أودية الهوى تهيمون؟ وفي أي روضة من رياض الدنيا تسرحون؟ أكنتم تؤثرون الفاني على الباقي، وتنسون الطهور الساقي، وإخوانكم يجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، ويهاجرون عن الأوطان ويفارقون الإخوان والأخدان، { قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي ٱلأَرْضِ } [النساء: 97]؛ أي: عاجزين عن استيلاء النفس الأمارة، وغلبة الهوى ما سوى الشيطان في حبس البشرية، { قَالْوۤاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً } [النساء: 97]؛ أي: أرض القلب واسعة، { فَتُهَاجِرُواْ } [النساء: 97] عن مضيق أرض البشرية تسلكوا في فسحة عالم الروحانية، بل تطيروا في هواء الهوية، { فَأُوْلَـٰئِكَ } [النساء: 97]؛ يعني: ظالمي أنفسهم، { مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ } [النساء: 97] البعد عن مقامات القرب، { وَسَآءَتْ مَصِيراً } [النساء: 97]، جهنم البعد لتاركي القرب، والقاعدين عن جهاد النفس، { إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَانِ } [النساء: 98]، الذي صفتهم { لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً } [النساء: 98] في الخروج عن الدنيا؛ لكثرة العيال وضعف الحال، وعلى قهر النفس وغلبة الهوى، ولا على قمع الشيطان في طلب الهدى، { وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً } [النساء: 98]، إلى صاحبة ولاية يتمسكون بعروة الوثقى، ويعتصمون بحبل إرادته في طلب المولى، فيخرجهم من ظلمات البشرية إلى نور سماء الربوبية على أقدام العبودية؛ وهم المقتصدون المشتاقون، ولكن بحجب الأنانية محجوبون عن شهود جمال الحق محرومون فعذرهم الله، ووعدهم الله رحمته وقال تعالى: { فَأُوْلَـٰئِكَ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ } [النساء: 99]، السكون عن الله والركون إلى غير الله { وَكَانَ ٱللَّهُ } [النساء: 99] في الأزل، { عَفُوّاً } [النساء: 99]؛ لعفوه أمكنكم التقصير في العبودية { غَفُوراً } [النساء: 99]؛ ولغفرانه أمهلهم في إعطاء حق الربوبية.