التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ
٧
رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدْتَّهُمْ وَمَن صَـلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٨
وَقِهِمُ ٱلسَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
٩
إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُـمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى ٱلإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ
١٠
قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا ٱثْنَتَيْنِ فَٱعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ
١١
-غافر

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

ثم أخبر عن أحوال حملة العرش وأعمالهم بقوله تعالى: { ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ } [غافر: 7]، يشير إلى أن الملائكة كما أمروا بالتسبيح والتحميد والتمجيد لله تعالى فكذلك أمروا بالاستغفار والدعاء لمذنبي المؤمنين؛ لأن الاستغفار للذنب. ويجتهدون في الدعاء لهم فيدعون لهم بالنجاة، ثم برفع الدرجات كما قال تعالى: { رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً } [غافر: 7] فارحمهم وأعف عنهم ما علمت لهم ومنهم، وبقوله: { فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ } [غافر: 7]، يشير إلى أنه الملائكة لا يستغفرون إلا لمن تاب ورجع عن إتباع الهوى، واتبع بصدق الطلب وصفاء النية سبيل الحق تعالى وبقوله: { وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } [غافر: 7]، يشير إلى أن بمجرد التوبة لا تحصل النجاة إلا بالثبات عليها، وتخليص العمل عن شوب الرياء والسمعة، وتصفية القلب عن الهواء والبدع.
وبقوله: { رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدْتَّهُمْ وَمَن صَـلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ } [غافر: 8]، يشير إلى أن بركة الرجل التائب تصل إلى آبائه وأزواجه وذرياته لينالوا بها الجنة ونعيمها، { إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ } [غافر: 8] تعز التائبين وتحبهم وإن أذنبوا، { ٱلْحَكِيمُ } [غافر: 8] فيما لم تعتصم محبتك عن الذنوب، ثم يتوب عليهم.
{ وَقِهِمُ ٱلسَّيِّئَاتِ } [غافر: 9]؛ يعني: بعد أن تابوا؛ لئلا يرجعوا إلى المعاصي والذنوب، { وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } [غافر: 9]، يحيلون الأمر فيه إلى رحمته، وبرحمته لئن سلط على المؤمنين أراذل في خلقه وهم الشياطين فقد قيض بشفاعة أفاضل من خلقه وهم الملائكة المقربون.
ثم أخبر عن أراذل الخلق دون الأفاضل بقوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُـمْ } [غافر: 10]، يشير إلى أن مقت الحق تعالى مودع في محبة العبد نفسه؛ لأنها أعدى عدوه، وقد صرف محبة الله الذي هو أحب محبته إلى أعدى عدوه بدل صفته فمقته الله عز وجل؛ فمعنى الآية: إن العبد لو مقت نفسه في الله لكان أحبه ولم يمقته، فلما أحب نفسه ولم يمقتها في الله ومقت الله له يضره نفسه فمقته الله، فمقت الله للعبد أكبر على العبد من مقته نفسه؛ لأن مقته لنفسه ينفعه وينفع نفسه ومقت الله له يضره نفسه، ولأن أشد العقوبات التي توصل الحق إلى العباد آثار سخطه وغضبه، وأجل النعم التي يفردها بها آثار رضاه عنهم، فإذا عرف الكافر في الآخرة أن ربه عليه غضبان فلا شيء أصعب على قلبه منه على أنه لا بكاء ينفعه، ولا غناء يزيل عنه ما هو فيه ويدفعه، ولا يسمع له تضرع في الآخرة ولا ترجى له حيله، { إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى ٱلإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ } [غافر: 10].
{ قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا ٱثْنَتَيْنِ } [غافر: 11] إماتة القلوب وإحياء النفوس، إماتة الأبدان وإحياؤها بالبعث { فَٱعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا } [غافر: 11]، وإن كان تقدير الأعمال والإماتة والإحياء منك { فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ } [غافر: 11] اليوم بنوع من الأعمال، ولما لم يحبهم الله؛ لأنه لا سبيل لكم إلى الخروج من النار بنوع من الأعمال فلعله خلى موضع الرجاء بكرمه.