التفاسير

< >
عرض

وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
٣٦
وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلَّيلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ
٣٧
فَإِنِ ٱسْتَكْبَرُواْ فَٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَهُمْ لاَ يَسْئَمُونَ
٣٨
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى ٱلأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ ٱلَّذِيۤ أَحْيَاهَا لَمُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٣٩
إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ آيَاتِنَا لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي ٱلنَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِيۤ آمِناً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
٤٠
-فصلت

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

وبقوله: { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } [فصلت: 36] يشير إلى أن النبي والولي لا ينبغي أن يكون أمناً من مكر الله، وإن الشيطان صورة مكر الحق تعالى يكون على حذر من نزغاته مستعيذاً بالله من همزاته، فلا يذرها أن تصل إلى القلب بل يرجع إلى الله في أول الخطرة، فإنه إن لم يخالف أول الخطرة صار فكرة، ثم بعد ذلك يحص العزم على ما يدعو إليه الشيطان، ثم إن لم يتدارك ذلك تجري الذلة، فإن لم يتدارك بحسن الرجعة صار قسوة ويتمادى به الوقت فهو يخطر كل آفة، ولا يتخلص العبد من نزغات الشيطان إلا بصدق الاستعانة بالله والإخلاص في العبودية، قال الله تعالى: { { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } [الحجر: 42] فكلما زاد العبد في تبريه من حوله وقوته، وأخلص بين يدي الله تضرعه واستعانته، زاد الله في حفظه ورفع الشيطان عنه؛ بل يسلطه عليه ليسلم على يديه، { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ } [فصلت: 36] لدعائك { ٱلْعَلِيمُ } [فصلت: 36] بقضاء حوائجكم.
ثم أخبر عن آياته وتكرماته بقوله تعالى: { وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلَّيلُ وَٱلنَّهَارُ } [فصلت: 37] يشير إلى ليل البشرية ونهار الروحانية، { وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ } [فصلت: 37] إذا تجلت شمس الروح وقمر القلب { لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ } [فصلت: 37]؛ أي: لا تتخذوا ما كشف لكم عند تجلي شمس الروح من المعقولات، وأنواع العلوم الدقيقة مقصداً ومعبداً كما اتخذت الفلاسفة، { وَلاَ لِلْقَمَرِ } [فصلت: 37]؛ أي: لا تتخذوا أيضاً مت شهدتم عند تجلي شواهد الحق في قمر القلب من المشاهدات، ومكاشفات العلوم الدينية مقصداً ومعبداً كما اتخذ بعض أرباب السلوك، ووقفوا عند عقبات العرفان والكرامات، فشغلوا بالمعرفة عن المعروف، وبالكرامة عن المكرم { وَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَهُنَّ } [فصلت: 37]؛ أي: اتخذوا المقصود والمعبود حضرة حضرت جلال الله، الذي خلق ما سواه منازل السائرين به إليه { إِن كُنتُمْ } [فصلت: 37] من جملة المحبين الصادقين الذين { إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } [فصلت: 37] طمعاً بوصاله والوصول إليه، لا من الذين يعبدونه خوفاً من النار وطمعاً إلى الجنة، { فَإِنِ ٱسْتَكْبَرُواْ } [فصلت: 38] أهل الأهواء والبدع، ولا يوفقون للسجود بجميع الوجود لله، { فَٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ } [فصلت: 38] من أرواح الأنبياء والأولياء { يُسَبِّحُونَ لَهُ بِٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } [فصلت: 38] ينزهونه عن احتياج أحد من العالمين على أنه
{ { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ } [الرعد: 15]، { وَهُمْ لاَ يَسْئَمُونَ } [فصلت: 38] على التسبيح والتنزيه، { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى ٱلأَرْضَ } [فصلت: 39] أرض البشرية { خَاشِعَةً } [فصلت: 39] يابسة عند إعواز ما الهوى، وإشراق شمس العناية لم ينبت منها نبات داعية من دواعي البشرية، { فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ } [فصلت: 39] ماء الخذلان والابتلاء { ٱهْتَزَّتْ } [فصلت: 39] بنبات الدواعي { وَرَبَتْ } [فصلت: 39] منها أشجار المعاصي والمناهي، { إِنَّ ٱلَّذِيۤ أَحْيَاهَا } [فصلت: 39]؛ أي: أحيا النفوس الميتة { لَمُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ } [فصلت: 39]؛ أي: القلوب الميتة يحييها بنور الإيمان، وصدق الطلب، وغلبات الشوق، وكذلك إذا وقع للعبد فترة في معاملة وغيبة من نشاط طلبه، فإذا تغمده الحق سبحانه بما يدخل على قلبه ما ماء التذكير نبت في قلبه نبات الوفاق، فيعود إلى مألوف مقام هو تعود عود تعداده غضاً طرياً، وشجر وفاقه بعد ما أصابته الجذوبة بماء العناية مستقياً، وكذلك إذا حصل لأهل العرفان وقفة، أو بدا لهم من جرَّاء سوء أدبٍ حجبةٌ، نظر الحق سبحانه وتعالى إليهم بالرعاية فاهتزت رياض أنسهم، واخضرت مشاهد قربهم، وانهزمت وفود وقفتهم { إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [فصلت: 39] من إظهار اللفطف والقهر.
وبقوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ آيَاتِنَا لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ } [فصلت: 40] يشير إلى إن إلحادهم عن الحق إنما كان من نتيجة خذلاننا فلا يخفى علينا سبب إلحادهم، فإن كل إنسان نكل إلى نفسه لا يصدر منه إلا إلحاد عن الحق؛ لأنها جبلت على الأمارية بالسوء، { أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي ٱلنَّارِ } [فصلت: 40] وهي: الطبيعة الإنسانية النفسانية الحيوانية التي هي منشأ دركات جهنم { خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِيۤ آمِناً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } [فصلت: 40] وهو منظور بنظر عنايتنا، محفوظ من شر نفسه بفضل رعايتنا، وفي قوله تعالى: { ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ } [فصلت: 40] إشارة إلى أن أن وكالتهم إلى هوى أنفسهم، فإنه بالطبع يهوون إلى الدرك الأسفل، { إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [فصلت: 40] بأن يكون مصيركم إلى النار.