التفاسير

< >
عرض

قُل لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ ٱللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ
١٤
مَنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ
١٥
وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى ٱلْعَالَمينَ
١٦
وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ فَمَا ٱخْتَلَفُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
١٧
ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ فَٱتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ
١٨
-الجاثية

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

وبقوله: { قُل لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ ٱللَّهِ } [الجاثية: 14]، يشير إلى أن المؤمنين إذا غفروا لأهل الجرائم، وإن لم يكونوا أهل المغفرة لإصرارهم على الكفر والإيذاء يصير متخلقاً بأخلاق الحق، ثم الله تعالى يجزي كل قوم جزاء عملهم، كما قال: { لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [الجاثية: 14] من الخير والشر.
{ مَنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً } [الجاثية: 15]، من العفو للجرم { فَلِنَفْسِهِ } [الجاثية: 15]؛ يعني: نفسه تتصف بصفة العفو والمغفرة وهي من صفات الله، { وَمَنْ أَسَآءَ } [الجاثية: 15]، من المعصية والظلم { فَعَلَيْهَا } [الجاثية: 15]؛ أي: تصير نفسه متصفة بالعصيان والظلم، وهو من صفات الشيطان، { ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } [الجاثية: 15] على حسب صفاتكم وأعمالكم، إن كنتم من الأبرار فإن الأبرار لفي نعيم، وإن كنتم فجاراً فإن الفجار لفي جحيم.
وبقوله: { وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ } [الجاثية: 16]، يشير إلى القلب وصفاته؛ لأنه محل تنزيل الكتاب، وهو الإلهامات الربانية والإشارات والخواطر الرحمانية، وكشف المعاني الحكمية، وشواهد الأسرار [الربانية]؛ إنما هو القلب وصفاته، { وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } [الجاثية: 16]؛ وهي الواردات الرحمانية الطيبة من حيث صفات النفس والشيطان، { وَفَضَّلْنَاهُمْ } [الجاثية: 16]؛ أي: القلوب { عَلَى ٱلْعَالَمينَ } [الجاثية: 16]؛ أي: على أهل عالم قالبهم من الروح والسر والخفى، وإن كان الروح في بدء الأمر أشرف من القلب؛ لإفاضة فيضه عليه، ولما صار عرش القلب استواء صفة رحمانية الحق تعالى فضله الله على الروح بهذه الخاصية.
{ وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ } [الجاثية: 17]، وهو بيان كشف العيان، { فَمَا ٱخْتَلَفُوۤاْ } [الجاثية: 17]؛ يعني: النفس والقلب في الإعراض والإقبال على الله، { إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ } [الجاثية: 17]، العياني والبياني { بَغْياً بَيْنَهُمْ } [الجاثية: 17]، من طبيعة النفس وهواها { إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بِيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } [الجاثية: 17]؛ أي: يوم إحياء القلوب بنور الصدق والمحبة { فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } [الجاثية: 17]، من الإعراض النفساني والإقبال القلبي.
ثم أخبر عن الشريعة النبوية المصطفية بقوله تعالى: { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ فَٱتَّبِعْهَا } [الجاثية: 18]، يشير إلى أنا أفردناك من جملة الأنبياء بلطائف فاعرفها، وخصصناك بحقائق فأدركها، وسننا لك طريق فاسلكها، وأثبتنا لك الشرائع فاتبعها، ولا تتجاوز عنه ولا يحتاج إلى متابعة غيرك، ولو كان موسى وعيسى حياً لما وسعهما إلا إتباعك.
ثم قال: { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } [الجاثية: 18-19].