التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي ٱلصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ
١
يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَلاَ ٱلْهَدْيَ وَلاَ ٱلْقَلاۤئِدَ وَلاۤ آمِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ
٢
-المائدة

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ } [المائدة: 1]، والإشارة أن سماع اسم: "الله" فهو اسم ذات الألوهية يوجب الهيبة والعظمة والفناء والغيبة من شأنهما، وسماع: "الرحمن الرحيم"، وهما من صفات لطفه يوجب الحضور والأوبة، ومن شأنهما البقاء والقربة، فمن أسمعه: بسم الله غيبه في كشف جلاله، ومن أسمعه: "الرحمن الرحيم"؛ غشيه بلطف أفضاله، ثم خاطبهم بخطاب الأولياء وعاتبهم عتاب الأحباء، فقال: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } أي بالتوحيد عند امتحان { { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } [الأعراف: 172]؛ إذ { قَالُواْ بَلَىٰ } [الأعراف: 172] { أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ } [المائدة: 1] التي جرت بيننا يوم الميثاق ليوم التلاق، وهذه عهود أهل الوفاق والنفاق أوفوا بالعهود أيها العشاق وعهود قبل وجودهم وإشهادهم وبشهودهم وعقودهم على بذل وجودهم لنيل مقصودهم عاقدوا على عهدهم، يحبهم ويحبونه ولا يحبون معه دونه، فالوفاء بالعهد الصبر على الجفاء والحمد فمن صبر على عهوده فقد فاز بمقصوده عند بذل وجوده.
{ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ } [المائدة: 1] أي: ذبح بهيمة النفس التي هي كالأنعام في طلب المرام، { إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي ٱلصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } [المائدة: 1] يعني: أيتها النفس المطمئنة التي تُليت عليها:
{ ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ } [الفجر: 28]، فإنها تنفرت من الدنيا وما فيها فإنها كالضيف في الحرم وأنتم حرم بالتوجه إلى كعبة الوصال بإحرام الشوق إلى حضرة الجمال، والجمال متجردين من كل مرغوب ومربوب متفردين من كل محبوب ومطلوب.
{ إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ } [المائدة: 1] بذبح النفس إذا كانت موصوفة بصفة البهيمية ترتع في مراتع الحيوان السفلية، ويحكم بترك ذبحها ويخاطبها بالرجوع إلى حضرة الربوبية عند اطمئنانها مع الحق واتصافها بالصفات العلوية لمن يريد { مَا يُرِيدُ } [المائدة: 1].
ثم أخبر أن تعظيم الشعائر من صدق الضمائر بقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ } [المائدة: 2]، والإشارة مع سلاطين الدين وملوك السلوك الذين خرجوا عن أوطان الأوطان وسافروا عن ديار الأغيار وسلكوا بوادي الشهوات، وعبروا عن منازل المهلكات، وتجردوا عن حظوظ الدنيا، وتفردوا لحقوق العقبى وأحرموا لطواف كعبة المولى، فقال: يا أيها الذين آمنوا بشهود القلوب لقصد زيارة المحبوب لا تحلوا شعائر الله مناسك الوصول إلى الله تعالى، فهي معالم الدين والشريعة وآداب الطريقة بإشارة أرباب الحقيقة فإنهم أولى بهذا الطريق وحضراء هذا الفريق.
{ وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَلاَ ٱلْهَدْيَ وَلاَ ٱلْقَلاۤئِدَ } [المائدة: 2]، إشارة إلى تعظيم عظمة الله تعالى من الزمان والمكان والإخوان، { وَلاۤ آمِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ } [المائدة: 2]، وهم القاصدون إلى الله تعالى، الصادقون في طلب الله، عليكم بالرفق في مرافقتهم والتزام الصدق في موافقتهم، { يَبْتَغُونَ } [المائدة: 2] الوصول، { فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً } [المائدة: 2]، رافقوهم وكونوا إخواناً، أهدوا للقربان نفوسهم وقلدوها بلحاء الشجرة الطيبة ليأمنوا من مكر الأعداء الخبيثة، { وَإِذَا حَلَلْتُمْ } [المائدة: 2]، لإتمام الحج وقضاء مناسك الوصول، { فَٱصْطَادُواْ } [المائدة: 2]، أرباب الطلب بشبكة الدعوى إلى الله تعالى.
{ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } [المائدة: 2]، يعني: لا يحملنكم حسد الحساد وقصد القضاء والذين يريدون أن يصدوكم عن الحق ويمنعوكم بالحسد عن دعوة الحق { أَن تَعْتَدُواْ } [المائدة: 2]، على الطالبن الصادقين بالبعد عنهم وردهم عن الإرادة فتكونوا قطاع الطريق في طلب الحق.
{ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِّ } [المائدة: 2]، وهو التفرد للحق بما شرح الله تعالى صدره؛
{ { وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلْكِتَابِ وَٱلنَّبِيِّينَ وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلاةَ وَآتَى ٱلزَّكَاةَ وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَٱلصَّابِرِينَ فِي ٱلْبَأْسَآءِ وٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلْبَأْسِ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ } [البقرة: 177].
{ وَٱلتَّقْوَىٰ } [المائدة: 2]، وهو الخروج عما سوى الله؛ فإن الوصول لا يمكن إلا بها، ولهذا قال من قال: خطوتان وقد وصلت ولا يمكن للمريد الصادق أن يتحلى بهاتين الخطوتين إلا بمعاونة شيخ كامل مكتمل واصل موصل.
{ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ } [المائدة: 2]، بالتهاون في دعوة العوام وتربية الخواص من الطلبة، { وَٱلْعُدْوَانِ } [المائدة: 2]، بأن تكلوهم إلى أنفسهم في إضاعة بضاعتهم وإفساد استعدادهم، { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } [المائدة: 2]، في القيام بحقوق التعظيم لأمر الله ورعاية حقوق الشفعة على خلق الله، { إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } [المائدة: 2]، لمن يعاقبه بالخذلان ويعاقبه بالهجران.