التفاسير

< >
عرض

ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يَأْتُواْ بِٱلشَّهَادَةِ عَلَىٰ وَجْهِهَآ أَوْ يَخَافُوۤاْ أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَٱتَّقُوا ٱللَّهَ وَٱسْمَعُواْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ
١٠٨
يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ
١٠٩
إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ وَٱلأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ ٱلْمَوتَىٰ بِإِذْنِيِ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ فَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ
١١٠
-المائدة

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يَأْتُواْ بِٱلشَّهَادَةِ عَلَىٰ وَجْهِهَآ } [المائدة: 108]؛ يعني: العقل والسر إن كانا ثابتين في بدء الأمر بأداء الحقوق في استعمال صفات النفس للشعارات الأخروية؛ لكان أولى وأخرى { أَوْ يَخَافُوۤاْ أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ } [المائدة: 108]؛ يعني: أو يخافا عواقب الأمور بأن يتنزل على أنفسهم باستمهال وتضييع الوقت وفوات القرش وإفساد الاستعداد، ثم بالتذكر والتفكر برد الأمر إليهم فيحتاجون إلى كثرة الرياضة والمجاهدة الزكية والتصفية، ثم قال تعالى: { وَٱتَّقُوا ٱللَّهَ } [المائدة: 108]، أي: اتقوا بالله عما سواه { وَٱسْمَعُواْ } [المائدة: 108]، وأطيعوا أحكام الأزل { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي } [المائدة: 108]، إلى حضرته اليوم { ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } [المائدة: 108]؛ يعني: الذين كانوا خارجين عند رشاش النور على الأرواح عن قبول النور وإصابته كما قال صلى الله عليه وسلم: "أفمن أصابه ذلك النور فقد اهتدى ومن أخطأه فقد ضل" .
ثم أخبر عن إصابة أهل الإصابة بقوله تعالى: { يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ } [المائدة: 109].
إشارة إن القيامة هي يوم يتجلى الحق فيه بالصفة القاهرية يوم يكشف عن ساق، يوم يجمع الله الرسل في حظائر القدس دون العالمين، فيكاشفهم بنقم الجلال فيقول لهم عند احتباس قومهم: ماذا أجبتم لما دعوتم الأمم إلي وإلى معرفتي وهم مستغرقون في بحر الشهود الغائبون عن أوصاف الوجود { قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَآ } [المائدة: 109]، فأنطقهم الله بالبراءة عن التحقيق بباطن الأمور وحقيقتها حتى نفوا العلم عن أنفسهم وأثبتوا لحضرة جلاله فقالوا: { إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } [المائدة: 109]؛ أي: إنك تعلم ما غاب عنا وغبنا عنه، فإنك ما تغيب عن شيء، ولا يغيب عنك شيء كما قال صلى الله عليه وسلم نحن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر.
ثم أخبر عن الآية ونعمائه مع نبي من أنبيائه بقوله تعالى: { إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ } [المائدة: 110]، والإشارة فيها أن في قوله تعالى إذا قال الله: يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إشارة إلى نعمة خاصة مع عيسى ووالدته دون سائر الخلق، وذلك أن حمل مريم ما كان من الرجال كسائر النساء وإنما كان بروح منه كما قال تعالى:
{ وَمَرْيَمَ ٱبْنَتَ عِمْرَانَ ٱلَّتِيۤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا } [التحريم: 12]، وكذلك ولادة عيسى عليه السلام وخلقه ما كان من قطعة الرجال إنما كانت كلمة ألقاها إلى مريم وروح منه، ومن نعم الله عليها ما قال: { إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً } [المائدة: 110]، يعني: تكلمك في الطفولية وفي الكهولية وبقية المعجزات التي ظهرت منك كما أنها نعمة في حقك، فكذلك هي نعمة في حق أمك بأنها تدل على براءة ساحتها فما نسبوها إليه واتهموها به.