التفاسير

< >
عرض

وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ وَٱلأَنْفَ بِٱلأَنْفِ وَٱلأُذُنَ بِٱلأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ
٤٥
وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعَيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ
٤٦
وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإِنْجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ
٤٧
-المائدة

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

ثم أخبر عن إنزال الأحكام على الخواص بقوله تعالى: { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ } [المائدة: 45]، الإشارة إن الله تعالى جعل المساواة بين النفوس في القصاص كما جعلها بين الأرواح والأعضاء، فقال تعالى: { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ }، كما قاله تعالى: { وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ وَٱلأَنْفَ بِٱلأَنْفِ وَٱلأُذُنَ بِٱلأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ } [المائدة: 45]؛ ليتحققوا بالتساوي وفي الاستعداد الإنساني لقبول الفيض الرباني في طلب الكمال والبلوغ إلى ذروة الوصال، وأنه تعالى قد كرم بني آدم بنيل هذه الكرامة، وعنهم باختصاص هذه السعادة فقال: { { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ } [الإسراء: 70]، وإنما التقصير والتواني وقع من قبل الإنسان في طلب الكمال بترك الاجتهاد، فإن المجاهدات تورث المشاهدات، كما قال تعالى: { { وَٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } [العنكبوت: 69]، وقد جاء في بعض الكتب المنزلة "من طلبني وجدني"، والذي يؤيد هذا المعنى قوله تعالى: { { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا } [الشمس: 7-10]، فأظهر الله من تقي في حضيض النقصان بقي لترك التزكية بالخذلان، وإن الله تعالى كتب على نفسه الرحمة وقال: "من تقرب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً" ، وفيه معنى آخر وهو كما أن في إهلاك النفس بهلاك النفر المهلك، وفي إتلاف العضو المثلث كذلك إحياء نفس الطالب بحياة الدين حياة نفس محييها وفي معالجة عين قلبه وأنف قلبه وسن قلبه علاج معالجة وبمزيد الإدراك في هذه الأشياء المذكورة { فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ } [المائدة: 45]، أي: بهذه الإحياء والمعالجة { فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ } [المائدة: 45]، على نفسه فيما فرط في إحياء نفسه ومعالجة قلبه طرفة عين { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أنزَلَ ٱللَّهُ } [المائدة: 45]، وفي تزكيتها عن الأوصاف الذميمة وتجليها بالأخلاق الحميدة على قانون الشريعة بتربية أرباب الطريقة للوصول إلى الحقيقة { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } [المائدة: 45]، فقد ظلموا أنفسهم بترك التربية؛ إذ وضعوا متابعة الحظوظ في موضع ملازمة الحقوق.
{ وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعَيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ } [المائدة: 46]، أي: اتقاء الأنبياء بعضهم بعضاً، فأنزلنا الكتب بعضها مصدقاً لبعض ومفرداً له؛ لبيان الدين القويم والهداية إلى صراط مستقيم والرجوع إلى رب العالمين لأرباب اليقين من المتقين { وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإِنْجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ } [المائدة: 47]، وكذلك أهل كتاب كل كتاب في سلوك الطريق { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ } [المائدة: 47]، من أهل كل كتاب { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } [المائدة: 47]، الخارجون عن الصراط المستقيم فضلوا عن طريق الحق، وذلوا بالباطل.