التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ
٥٨
قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ
٥٩
قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّاغُوتَ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ
٦٠
وَإِذَا جَآءُوكُمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَقَدْ دَّخَلُواْ بِٱلْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ
٦١
وَتَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٦٢
لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ ٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ ٱلإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ
٦٣
-المائدة

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

ثم أخبر عن استهزائهم عند الصلاة، وندائهم بقوله تعالى: { وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً } [المائدة: 58]، إشارة أن الله تعالى أخبر عن أهل الغفلة والسلو المحجوبين بأستار العزة عن أحوال العزة والمحبة، فقال: { وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ }؛ أي: دعوتموهم إلى محل القرب والنجوى، اتخذوها هزوا ولعباً لجهالتهم بأحوالها وضلالتهم عن عرفان كمالها { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ } [المائدة: 58]؛ أي: لا تدرك عقولهم الفاسدة بالوهم والخيال لذاذة شهود ذلك الجمال والجلال، فإنها بمعزل عن تلك الأحوال لاهية عن درك الوصول والوصال { قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ } [المائدة: 59]، إشارة إلى أهل العلوم الظاهرة من أهل السلو { هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ } [المائدة: 59]، تنكرون علينا وتحسدوننا وتعيروننا وتؤذوننا { إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِٱللَّهِ } [المائدة: 59]، إلا بأن آمنتم بإيمان تقليدي بياني، وآمناً بالله وبأنوار هدايته إيماناً حقيقياً عيانياً { وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا } [المائدة: 59]، من الواردات الربانية والعلوم اللدنية { وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ } [المائدة: 59]، على الأنبياء من الكتب الإلهية بكشف حقائقها ومعانيها، ورشق دقائقها ومبانيها { وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ } [المائدة: 59]، خارجون عن الصراط المستقيم من طلب الحق إلى طلب الدنيا وشهواتها، والرضا على جميع أموالها وطلب رياستها، ثم أخبر عمن هو بِشَرِّ حاله.
وروى خصاله بقوله تعالى: { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ } [المائدة: 60]، الإشارة أن الله تعالى جعل لإظهار قهره بعض الجواهر الإنسانية المستعدة لقبول فيض صفة اللطف من الرحمانية والمحبة الربانية؛ مستحقاً لقبول فيض صفة القهر من الطرد واللعن والغضب، ينزله أحسن المنازل، ويبعده عن نعت الأخيار الفواضل، وليسكنه حضيض الأشرار الأرازل، مخذولاً عن صراط سوى الطريقة، محجوباً عن شهود الحقيقة، قال الله تعالى: { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ } [المائدة: 60]، ثم قال تعالى: { وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّاغُوتَ } [المائدة: 60]؛ أي: جعل صفة القردية والخنزيرية وعبد الطاغوت من بعض أفاعيلهم { أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً } [المائدة: 60]؛ يعني: من هؤلاء { وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ } [المائدة: 60]؛ أي: عن طريق الحق المعني أن القردة والخنازير، وإن كانت ضالة عن طريق الحق بعدم الاستعداد وهؤلاء الذين كانوا مستعدين لسلوك سبيل الحق والوصول إليه، ثم مكاناً منهم كما قال تعالى:
{ { إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلصُّمُّ ٱلْبُكْمُ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ } [الأنفال: 22]، وأضل الأبطال استعداد الوصول كما قال تعالى: { { أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ } [الأعراف: 179]، وذلك لأن من أعمالهم أنهم { وَإِذَا جَآءُوكُمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا } [المائدة: 61]، بالنفاق { وَقَدْ دَّخَلُواْ بِٱلْكُفْرِ } [المائدة: 61]، لا بالإيمان { وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ } [المائدة: 61]؛ أي: الكفر وليس هذا النفاق من شأن القردة والخنازير، فيقدم النفاق الكفر نزلوا إلى أحسن التنازل وصاروا أشر الأرازل { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ } [المائدة: 61]؛ أي: يخفون من رزائل الأخلاق وخبائث الأعراق { وَتَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ } [المائدة: 62]، من هذه الطائفة { يُسَارِعُونَ فِي ٱلإِثْمِ } [المائدة: 62]؛ أي: يسعون بجذب عظيم في طلب الدنيا ولذاتها وشهواتها { وَٱلْعُدْوَانِ } [المائدة: 62]، إلى مخالفة الأوامر وتتبع النواهي { وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ } [المائدة: 62]؛ أي: إطماعهم فيما سوى الله وإعراضهم عن الحق { لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [المائدة: 62]؛ لأنهم بهذه الأقدام ينزلون إلى أسفل السافلين { لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ ٱلرَّبَّانِيُّونَ } [المائدة: 63] وهم المشايخ الواصلون من أهل التربية بتسليكهم إياهم إن كانوا مستسلمين قابلي التصرف { وَٱلأَحْبَارُ } [المائدة: 63]، علم العلماء المتقون يدعوهم إلى الحق بالحكمة والموعظة الحسنة { عَن قَوْلِهِمُ ٱلإِثْمَ } [المائدة: 63]، في طلب الدنيا وما فيها { وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ } [المائدة: 63]، فهو كل شيء غير الحق { لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } [المائدة: 63]، المشايخ والعلماء في ترك النصيحة "وإنما الدين النصيحة" ولولا حقيقة هذا المعنى في التوبيخ لما اشتغل أهل الله المحققون بدعوة الخلق، وتربيتهم لاستغرابهم في مشاهدة الحق، ومؤانستهم به.