التفاسير

< >
عرض

أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
٩٦
جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلْكَعْبَةَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ قِيَٰماً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَٱلْهَدْيَ وَٱلْقَلاَئِدَ ذٰلِكَ لِتَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَأَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
٩٧
-المائدة

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

ثم قال تعالى: { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ } [المائدة: 96]، ما تصيدون من بحر المعرفة بالمشاهدة والكشوف { وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ } [المائدة: 96]، يعني: تنفقون بما يرد عليكم ومردات الحق وتجلي الصفات كما قال صلى الله عليه وسلم: "أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني" وتطعمون منه السائرين إلى الله من أهل الإرادة كقوله تعالى:- { فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْبَآئِسَ ٱلْفَقِيرَ } [الحج: 28]، وهذا حال المشايخ وأهل التربية من العلماء الراسخين { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ } [المائدة: 96]، أيها الطلاب { صَيْدُ ٱلْبَرِّ } [المائدة: 96]، وهو ما سنح في أثناء السير إلى الله من مطالب الدنيا والآخرة، كما قال صلى الله عليه وسلم: "الدنيا حرام على أهل الآخرة... الحديث" { مَا دُمْتُمْ حُرُماً } [المائدة: 96]؛ أي: محرمين إلى الكعبة الوصال متوجهين إلى حضرة الجلال، فإن حكم المتوجه بنا في حكم الواصل الكامل؛ لأن من وصل صار محواً فالمتوجه صاح فرق بعيد بين الصاحي والماحي، فإن أفعال الصاحي به، ومنه وأحوال الماحي ليست به ولا منه، والله غالب على أمره "فبي يسمع وبي يبصر وبي وينطق وبي يبطش" ولهذا قال تعالى: { { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَادُواْ } [المائدة: 2]، إلي إذا فرغتم من مناسك الوصول وسلكتم مسالك الوصول سقط عنكم كلف المجرمين ومؤنات المسافرين، وثبت لكن لزوم العاكفين وأحكام الطائفين كما قال تعالى: { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } [المائدة: 96]؛ أي: اتقوا بالله الذي تجمعون وتصلون إليه عما سواه لكيلا تجوروا بعدما تكوروا نعوذ بالله من الجور بعد الكور.
ثم أخبر عن القيام أنه بالبيت الحرام بقوله تعالى: { جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلْكَعْبَةَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ قِيَٰماً لِّلنَّاسِ } [المائدة: 97]، إشارة أن الله تعالى كما جعل الكعبة في الظاهر قياماً للناس العوام والخواص يلوذون ويستحجبون بالتضرع والابتهال هناك حاجاتهم الدنيوية والآخروية، كذلك جعل كعبة القلب في الباطن قياماً للخواص وخواص الخواص ليلوذوا بطريق دوام الذكر، ونفي الخواطر بالكلية وإثبات الحق بالربوبية والوحدانية بأن لا موجود إلا هو ولا وجود إلا له، ولا مطلوب ولا محبوب إلا هو وسماه البيت الحرام ليعلم أنه بيت الله على الحقيقة وحرام أن يسكن فيه غيره، فيرى فيه ذكر ما سوى الحق وحبه، وطلبه الإذن يفتح الله له أبواب فضله ورحمته { وَٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ } [المائدة: 97]، وهو أيام الطلب والسير إلى الله حرام على الطالب فيها مخالطة الخلق وملاحظة ما سوى الحق { وَٱلْهَدْيَ } [المائدة: 97]، وهو النفس البهيمية فساق إلى كعبة القلب مع { وَٱلْقَلاَئِدَ } [المائدة: 97]، وهي أركان الشريعة فتذبح على عتبة القلب بسكين آداب الطريقة عن شهواتها ولذاتها الحيوانية { ذٰلِكَ لِتَعْلَمُوۤاْ } [المائدة: 97]، بالحقيقة { أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَأَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [المائدة: 97].