التفاسير

< >
عرض

بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَٰحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
١٠١
ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ خَٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَٱعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ
١٠٢
لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَٰرُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَٰرَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ
١٠٣
قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ
١٠٤
-الأنعام

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

ثم أخبر عن تفرد ذاته وصفاته بقوله تعالى: { بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَٰحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [الأنعام: 101]، { ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ خَٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَٱعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } [الأنعام: 102]، إلى قوله: { وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } [الأنعام: 103]، والإشارة فيها: أنه تعالى موصوف بالتنزيه ذاته وصفاته بحيث { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَٰرُ } [الأنعام: 103]؛ أي: لا تلحقه المحدثات لا الأبصار الظاهرة ولا الأبصار الباطنة، تقدَّست بالصمدية عن كل لحوق ودرك ينسب إلى مخلوق ومحدث.
{ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَٰرَ } [الأنعام: 103]، بالتجلي لها، فيفني المحدثات فيكون هو بصره الذي يبصر به، فالقوة عند التجلي الأبصار الظاهرة والباطنة في الرؤية بنور الربوبية، { وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } [الأنعام: 103]، أي: هو اللطيف من أن يدركه المحدثات أو يلحقه المخلوقات، الخبير بمن يستحق أن يتجلى له الحق تعالى ويدرك أبصاره باطلاعه عليها فيستعد بها للرؤية، ومن لطفه أنه أوجد الموجودات وكون المكونات فضلاً منه وكرماً من غير استحقاقها للوجود.
ثم أخبر عن إيضاح السبيل وإيضاح الشكر بقوله تعالى: { قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ } [الأنعام: 104]، إلى قوله:
{ { بِوَكِيلٍ } [الأنعام: 107]، الإشارة فيها: إن الله تعالى أعطى لكل عبد بصيرة؛ لقلبه يبصر بها الحقائق المودعة في الغيوب، والكمالات المعدة لأرباب القلوب، كما أعطى بصراً لقالبه يبصر به الأعيان في الشهادة، وما أعد لهم فيها من المأكول والمشروب والملبوس والمنكوح، فقد قال تعالى: { قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ } [الأنعام: 104]، يعني: من نظر ببصر البصيرة إلى المراتب العلوية الأخروية الباقية والبصر كمالات القرب، وما أعد الله: مما لا عين رأت، ولا أُذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فيشتغل تحصيله ويقبل على الله بسلوك سبيله، ويعرض عن الدنيا الدنية، ويترك زينتها وشهواتها الفانية، فكذلك تحصيل سعادة وكرامة لنفسه، { { فَإِنَّ ٱلله غَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَٰلَمِينَ } [آل عمران: 97].
{ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا } [الأنعام: 104]، يعني: من عمي عن النظر بالبصيرة عن هذه الكمالات لمَّا أبصر ببصر القلب إلى الدنيا وزينتها واستلذ بشهواتها، واستحلى مراتعها الحيوانية، فعميت بصيرته،
{ فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ } [الحج: 46]، فذلك تحصيل شقاوة وخسارة على نفسه، { وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } [الأنعام: 104]، أحفظكم عن هذه الشقاوة، وأبلغكم من غير اختياركم وصدق طلبكم إلى تلك السعادة المعدة للسعداء.