التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي
ثم أخبر عن الإعراض عن الخواص بقوله تعالى: { وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيۤ ءَايَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ } [الأنعام: 68]، إلى قوله: { بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ } [الأنعام: 70].
الإشارة فيها أنه لا يصلح للطالب الصادق المجالسة مع الخواص لأنه قيل أن الطبع يسرق فقوله تعالى: { وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيۤ ءَايَاتِنَا } [الأنعام: 68]، إشارة إلى بعض أهل الطاعات يخوضون في أحوال الرجال، ولا حظ لهم منها قال تعالى: { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ } [الأنعام: 68]؛ يعني: من الطامات التي هي ريح في شبح { وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَٰنُ } [الأنعام: 68]؛ يعني: القعود منهم فقعدت معهم بالنسيان، أو من غير قصد منك وعرفت أحوالهم { فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ } [الأنعام: 68]؛ أي: بعد التذكر ومعرفة أحوالهم { مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ } [الأنعام: 68]، البطالين الذين يظلمون أنفسهم بإفساد الاستعداد، ويراؤون الناس أنهم من الطالبين الصادقين بالزي والخرق وأنهم من البطالين بالأفعال والأحوال { وَمَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ } [الأنعام: 69] من الطامات والدعاوي وفي الطلب { مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ } [الأنعام: 69]، من خسارة البطالين من شيء { وَلَـٰكِن ذِكْرَىٰ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } [الأنعام: 69]، ولكن يحسن الاعتراض عنهم ويتركون الإصغاء إلى مجالاتهم وخيالاتهم من الطامات وحسن الانقباض بذكرهم لعلهم ينتهون ويتحرزون عن الدعاوي ويطلبون المعاني { وَذَرِ الَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً } [الأنعام: 70]؛ أي: دع صحة الذين يلعبون بالدين وهمهم لبس الخرقة والزي بزي الطالبين إنما هو للدنيا وقبول الخلق والنسب باللهو { وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ } [الأنعام: 70]؛ أي وعظهم بالصدق والطلب وترك الخرقة فإنها تورث الزندقة { أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ } [الأنعام: 70]، من قبل أن تفسد نفس استعدادها للطلب بالكلية بما تكسب من الرياء والنفاق { لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيٌّ } [الأنعام: 70] يتولى أمر إصلاح استعدادها { وَلاَ شَفِيعٌ } [الأنعام: 70]، يشفع ليصلح الله استعدادها الفاسدة { وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ } [الأنعام: 70]؛ يعني: وإن تقتدي بالدنيا وما فيها لا يقبل منها ولا يفيد استعدادها بعد فسادها بالكلية { سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً } [الفتح: 23]، { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ } [الأنعام: 70]، بطلوا الاستعداد الفطري بمرائيهم لهم { لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ } [الأنعام: 70]، من مشرب الحسرة والندامة { وَعَذَابٌ أَلِيمٌ } [الأنعام: 70]، من نار القطيعة وألم البعد { بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ } [الأنعام: 70]، بمقامات الرجال من الوصول والوصال.