التفاسير

< >
عرض

فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ
١٦٢
وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي ٱلسَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ
١٦٣
وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ
١٦٤
فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُوۤءِ وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ
١٦٥
فَلَماَّ عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ
١٦٦
-الأعراف

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

أفسدوا هذه النعمة على أنفسهم بتبديل القول، كما قال تعالى: { فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ } [الأعراف: 162] فاستحقوا الرجز والهلاك بظلمهم، كما قال تعالى: { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ } [الأعراف: 162] وقد مرَّ تحقيق هذه الآية في سورة البقرة.
ثم أخبر عن بعض مقالاتهم وسوء حالاتهم بقوله تعالى: { وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ } [الأعراف: 163] إلى قوله: { كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ } [الأعراف: 166] يشير إلى أن القرية الجسد الحيواني على شاطئ بحر البشرية وأهل قرية الجسد الصفات الإنسانية، وهي ثلاث أصناف:
منها: صنف روحاني: كصفات الروح.
وصنف ما هو قلبي: كصفات القلب.
وصنف: نفساني: كصفات النفس الأمارة بالسوء، وكل قد نهوا عن صيد حيتان الدواعي البشرية في سبت محارم الله، فصنف أمسك عن الصيد ونهي عنه وهو: الصفات الروحانية، وصنف أمسك ولم ينه وهو: الصفات القلبية، وصنف يحرمه وهو: الصفات النفسانية.
{ إِذْ يَعْدُونَ فِي ٱلسَّبْتِ } [الأعراف: 163] إذ يعدون في سبت المحارم، { إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً } [الأعراف: 163] بعد الدواعي البشرية عند هيجان ظهور المحارم، وإغواء الشيطان في تزينها فيتوفر الداعي فيما حرم الله تعالى؛ لأن الإنسان حريص على ما منع، { وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ } [الأعراف: 163] فيما لم يحرم الله لا نهيج لهم حسان الدواعي ولا يتوفر، { كَذَلِكَ نَبْلُوهُم } [الأعراف: 163]؛ أي الصنف الذي هو الصفات النفسانية، { بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } [الأعراف: 163]؛ أي: بما كانوا من طبيعة النفس وصفاتها الخروج من أمر الله وطاعته وأنها أمارة بالسوء، { وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ } [الأعراف: 164]؛ أي: صنف هو من صفات القلب لصنف من صفات الروح، { لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً } [الأعراف: 164] أي: صنفاً من صفات النفس، { ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ } [الأعراف: 164]؛ أي: مهلكهم بالمخالفات عند استيفاء اللذات والشهوات، { أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً } [الأعراف: 164] وهو المسخ بتبديل الصفات الإنسانية إلى الصفات الحيوانية.
{ قَالُواْ } [الأعراف: 164]؛ يعني: الصفات الروحانية، { مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ } [الأعراف: 164]؛ أي: لتكونوا معذورين عند ربكم، فيما خلقنا آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر، فإنا فعلنا ما كان علينا، وما تغيرنا عن أوصاف الروحانية الملكية، { وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } [الأعراف: 164]؛ أي: ولعل النفس وصفاتها يتقون عن الأمارية وتصفون بالمأمورية والظلمانية إلى ذكر الله وطاعته فإنها قابلة لها، { فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ } الأعراف: 165]؛ أي: تركوا النصيحة والمواعظ الروحانية، { أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُوۤءِ } [الأعراف: 165]؛ يعني: الروح وصفاتها، فإنهم كانوا ينهون النفس عن الأمارية بالسوء، المعنى: أن من كان القلب عليه صفات الروح وقهر النفس وبذل صفاتها بالتزكية والتخلية، فإنه من أهل النجات وأرباب الدرجات وأصحاب القربات.
{ وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } [الأعراف: 165]؛ يعني: النفس وصفاتها، فإن الظلم من شيم النفس، ومن كان الغالب عليه النفس صفاتها، { بِعَذَابٍ بَئِيسٍ } [الأعراف: 165] وهو عذاب إبطال الاستعداد؛ لقبول الفيض الإلهي وعذاب البعد عن حوار الخلق، { بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } [الأعراف: 165] بشؤم ما كانوا يخرجون من أنوار الصفات الروحانية إلى ظلمات الصفات النفسانية الحيوانية، { فَلَماَّ عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ } [الأعراف: 166]؛ أي: فلما بلغوا في اليم الطبعي والأوصاف السبعية والبهيمية، { قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ } [الأعراف: 166]؛ يعني: بدلنا صفاتهم الروحانية المكية بالصفات القردية والخنزيرية بأمر التكوين، كما قال تعالى:
{ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ } [النحل: 40] خاسئين؛ أي: فانطين بعد فساد الاستعداد الفطري عن إصلاحه، كما قال تعالى تقنيطاً لأهل النار: { ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } [المؤمنون: 108].