التفاسير

< >
عرض

إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلصُّمُّ ٱلْبُكْمُ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ
٢٢
وَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ
٢٣
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
٢٤
وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ
٢٥
وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي ٱلأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
٢٦
-الأنفال

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابِّ } [الأنفال: 22] أي: شر من دب في الوجود، { عِندَ ٱللَّهِ } الأنفال: 22] في مراتب الموجودات، { ٱلصُّمُّ } [الأنفال: 22] عن استماع كلام الحق بسمع القبول والقلوب، { ٱلْبُكْمُ } [الأنفال: 22] عن كلام الحق والكلام مع الحق، وإنما خص الصم والبكم بالذكر؛ لأن الأصم لا بدَّ وأن يكون لكم.
{ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ } [الأنفال: 22] أي: لا يعلمون لماذا خلقوا وما لهم من الاستعداد في طلب الكمال وانصرافهم في إفساد الاستعداد، فاعلم أن الإنسان خلق في أحسن تقويم قابلاً للتربية والترقي مستعداً للكمال لا يبلغه الملك والقرب في بدء الخلقة دون الملك وفوق الحيوان، فبتربيته الشريعة يصير فوق الملك فيكون خير البرية وبمخالفة الشريعة ومتابعة الهوى يصير دون الحيوان فيكون شر البرية فيؤول حال من يكون خيراً من الملك إلى أن يكون شر الدواب.
ثم قال تعالى: { وَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ } [الأنفال: 23] كلامه بسمع القبول، { وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ } [الأنفال: 23] بسمع القلوب قدرة عند عدم استحقاق الخيرية، { لَتَوَلَّواْ } [الأنفال: 23] عن متابعة الرسول في أثناء السلوك، { وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ } [الأنفال: 23] عن الله وطلبه ومقبلون على الدنيا وزخارفها لما قدرهم من الشقاوة وخصوصية شر الدوابية.
ثم أخبر عمن أودع له استحقاق الخير في استجابة الله ورسوله من البرية بقوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ } [الأنفال: 24] إلى قوله: { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } [الأنفال: 25] الإشارة فيها: أن الله تعالى طلب للحجة من العبد الإجابة، كما يطلب العبد للحاجة منه الإجابة، فقال: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ } والاستجابة لله استجابة الأرواح للشهود، واستجابة القلوب للشواهد، وإجابة الأسرار للمشاهدة، وإجابة الخفي للفناء في الله، والاستجابة للرسول بالمتابعة، { إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ } [الأنفال: 24] بنور الله؛ يعني: يفنيكم عنكم ويبقيكم به، { وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } [الأنفال: 24] يعني: إذا تجلى الله على قلب المرء يحول بسطوات أنوار جماله وجلاله بين مرآة قلبه وظلمة أوصاف قالبه، { وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } [الأنفال: 24] بالفناء عنكم والبقاء به.
ثم قال تعالى: { وَٱتَّقُواْ } [الأنفال: 25] أيها الواصلون، { فِتْنَةً } [الأنفال: 25] يعني: أن ابتلاء النفوس بشيء من حظوظها من الدنيوية والأخروية، { لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً } [الأنفال: 25] يعني: لا تصيب تلك الفتنة النفوس الظالمة فقط؛ بل تصيب ظلماتها الأرواح النورانية والقلوب الربانية، فتجذبها من حضائر القدس ورياض الأنس إلى خصائص صفات الإنس، كما قال تعالى:
{ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } [الأعراف: 182]، { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } [الأنفال: 25] فيما يعاقب الواصلين بالانقطاع والاستدراج عند التفاوت إلى ما سواه.
ثم أخبر عن الذاكرين الشاكرين بقوله تعالى: { وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي ٱلأَرْضِ } [الأنفال: 26] إلى قوله:
{ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } [الأنفال: 29] والإشارة فيها: { وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ أَنتُمْ } أيها الروح والقلب، { قَلِيلٌ } ثم تنشأ بعد ذلك الصفات والأخلاق الروحانية، { مُّسْتَضْعَفُونَ } من غلبات صفات النفس وهواها واستيلاء الشيطان وحزبه؛ وذلك لأن الروح والقلب في بدء الخلقة وتعلقهما بالقالب، وكذا صفاتهما مستضعفون لأعوان التربية بلبان آداب الطريقة، وانعدام جريان أحكام الشريعة عليهم إلى إذان البلوغ والتربية في هذه المدة للنفس وصفاتها لاستحكام القالب بحمل أعباء تكاليف الشريعة، وهما أعني: الروج والقلب، { تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ فَآوَاكُمْ } [الأنفال: 26] إلى حضائر القدس.
{ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ } [الأنفال: 26] بالواردات الربانية، { وَرَزَقَكُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } [الأنفال: 26] من المواهب الظاهرة من لوث الحدوث، { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [الأنفال: 26] فتستحقون المزيد.