التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُواْ بِٱلْحَيٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَٱطْمَأَنُّواْ بِهَا وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ
٧
أُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ
٨
إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ
٩
دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
١٠
-يونس

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: في الشواذ قراءة ابن محيصن ويعقوب أن الحمد لله.
الحجة: وهذه القراءة تدل على أن قراءة الجماعة ان الحمد لله إنما هو على أن أن مخففة من الثقيلة كما في قوله:

في فِتْيَةٍ كَسُيُوفِ الهِنْدِ قَدْ عَلِمُوا أَنْ هالِكٌ كُـــلُّ مَنْ يَحْفى وَيَنْتَعِلُ

فيكون على تقدير أنه الحمد لله ولا يجوز أن تكون أن هنا زائدة كما في قولـه:

وَيَومـــاً تُوافينا بَوَجْهٍ مُقَسَّــمٍ كَأَنْ ظَبْيَةٍ تَعْطُو إلى وَارِفِ السَّلَمِ

أي كظبية.
اللغة: الغفلة والسهو من النظائر وهو ذهاب المعنى عن النفس ونقيضه اليقظة والدعوى قول يدعى به إلى أمر والتحية التكرمة بالحال الجليلة ولذلك يسمّون الملك التحية قال:

مِنْ كُلَّ ما نالَ الْفَتى قَدْ نِلْتُهُ إلاَّ التَحِيَّه

وهو مأخوذ من قولهم أحياك الله حياة طيبة.
المعنى: ثم إنه سبحانه أوعد الغافلين عن الأدلة المتقدمة المكذبين بالمعاد فقال: { إن الذين لا يرجون لقاءنا } أي لقاء جزائنا ومعناه لا يطمعون في ثوابنا وأضافه إلى نفسه تعظيماً له ويحتمل أن يكون المعنى لا يخافون عقابنا كما يكون الرجاء بمعنى الخوف كما في قول الهذلي:

إذا لَسَعَتْهُ الْنَحْلُ لَمْ يَرْجُ لَسْعَها وخَالَفَها في بَيْتِ نُوبٍ عَواسِلِ

جعل سبحانه ملاقاة ما لا يقدر عليه إلا هو ملاقاة له كما جعل إتيان ملائكته إتياناً له في قولـه { { هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله } [البقرة: 210] تفخيماً للأمر: { ورضوا بالحياة الدنيا } أي متّعوا بها واختاروها فلا يعملون إلا لها ولا يجتهدون إلا لأجلها مع سرعة فنائها ولا يرجون ما وراءها { واطمأنُّوا بها } أي وسكنوا إلى الدنيا بأنفسهم وركنوا إليها بقلوبهم { والذين هم عن آياتنا غافلون } أي ذاهبون عن تأملها فلا يعتبرون بها { أولئك مأواهم النار } أي مستقرُّهم النار: { بما كانوا يكسبون } من المعاصي.
ثم وعد سبحانه المؤمنين بعد ما أوعد الكافرين فقال: { إن الذين آمنوا } أي صدَّقوا بالله ورسله { وعملوا الصالحات } أي وأضافوا إلى ذلك الأعمال الصالحة { يهديهم ربهم بإيمانهم } إلى الجنة { تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم } أي تجري بين أيديهم الأنهار وهم يرونها من علوٍّ كما قال سبحانه
{ { قد جعل ربك تحتك سرياً } [مريم: 24] ومعلوم أنه لم يجعل السري الذي هو الجدول تحتها وهي قاعدة عليه وإنما أراد أنه جعله بين يديها. وقيل: معناه من تحت بساتينهم وأَسِرَّتهم وقصورهم عن الجبائي. وقولـه { بإيمانهم } يعني به جزاء على إيمانهم: { دعواهم فيها } أي دعاء المؤمنين في الجنة وذكرهم فيها أن يقولوا: { سبحانك اللهم } يقولون ذلك لا على وجه العبادة لأنه ليس هناك تكليف بل يلتذُّون بالتسبيح. وقيل: إنهم إذا مرّ بهم الطير في الهواء يشتهونه قالوا سبحانك اللهم فيأتيهم الطير فيقع مشوياً بين أيديهم وإذا قضوا منه الشهوة قالوا: الحمد لله رب العالمين فيطير الطير حيّاً كما كان فيكون مفتتح كلامهم في كل شيء التسبيح ومختتم كلامهم التحميد فيكون التسبيح في الجنة بدل التسمية في الدنيا عن ابن جريج: { وتحيتهم فيها سلام } أي تحيتهم من الله سبحانه في الجنة سلام. وقيل: معناه تحية بعضهم لبعض فيها أو تحية الملائكة لهم فيها سلام يقولون سلام عليك أي: سلمتم من الآفات والمكاره التي ابتلى بها أهل النار وقد ذكرنا معنى قولـه: { وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين } وليس المراد أن ذلك يكون آخر كلامهم حتى لا يتكلموا بعده بشئ بل المراد أنهم يجعلون هذا آخر كلامهم في كل ما ذكروه عن الحسن والجبائي.