التفاسير

< >
عرض

حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ
٤٠
وَقَالَ ٱرْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْريٰهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ
٤١
وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَٱلْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يٰبُنَيَّ ٱرْكَبَ مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ ٱلْكَافِرِينَ
٤٢
قَالَ سَآوِيۤ إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ ٱلْمَآءِ قَالَ لاَ عَاصِمَ ٱلْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا ٱلْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُغْرَقِينَ
٤٣
-هود

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ حفص عن عاصم { من كل زوجين } منوناً وفي المؤمنين كذلك وقرأ الباقون من { كل زوجين } مضافاً وقرأ أهل الكوفة غير أبي بكر مجريها بفتح الميم والباقون بضم الميم واتفقوا على ضم الميم في مرسيها إلا ما يرى في الشواذ عن ابن محيصن أنه فتح الميم فيهما وقرأ عاصم { يا بني اركب معنا } بفتح الياء والباقون بالكسر. وروي عن علي بن أبي طالب (ع) وأبي جعفر محمد بن علي وجعفر بن محمد عليهم السلام وعروة بن الزبير ونادى نوح ابنه وروي عن عكرمة ابنها وعن السدي ابناه وعن ابن عباس ابنه على الوقف.
الحجة: الوجه في قراءة حفص ما قاله أبو الحسن إن الاثنين زوجان قال الله تعالى
{ ومن كل شيء خلقنا زوجين } [الذاريات: 49] والمرأة زوج الرجل والرجل زوجها قال وقد يقال للاثنين هما زوج قال لبيد:

مِنْ كُلِّ مَحْفُوفٍ يُظِلُّ عِصِيَّهُ زَوْجٌ عَلَيْهِ كِلَّةٌ وقِرامُها

قال أبو علي: من قرأ { من كل زوجين } كان قولـه { اثنين } مفعول الحمل والمعنى أحمل من الأزواج إذا كانت اثنين اثنين زوجين فالزوجان في قولـه { من كل زوجين } يراد بهما الشياع وليس يراد بهما الناقص عن الثلاثة ومثل ذلك قول الشاعر:

فَاعْمُدْ لِما يَعْلُو فَما لَكَ بِالَّذي لا تَسْتَطِيعُ مِنَ الأُمُـورِ يَدانِ

إنما يريد تشديد انتفاء قوته عنه وتكثيره ويبين هذا المعنى قول الفرزدق:

وَكُلُّ رِفيقَيْ كُلِّ رَحْلٍ وَإِنْ هُما تَعاطَــى القَنــا قَوْماً هُما أخَوانِ

فرفيقان اثنان لا يكونان رفيقي كل رحل وإنما يريد الرفقاء إذا كانوا رفيقين ومن نوَّن فقال { من كلِّ زوجين } فحذف المضاف إليه من كل ونوّن فالمعنى من كل شيء ومن كل زوج زوجين { اثنين } فيكون انتصاب اثنين على أنه صفة لزوجين فإن قلت فالزوجان قد فهم أنهما اثنان فكيف جاز وصفهما بقولـه { اثنين } فإنما جاز ذلك للتأكيد والتشديد كما قال: { { لا تتخذوا إلهين اثنين } [النحل: 51] وقد جاء في غير هذا من الصفات ما مصرفه إلى التأكيد كقولهم: أمس الدابر ونفخة واحدة ونعجة واحدة قال { { ومناة الثالثة الأخرى } [النجم: 20] قال أبو علي ويجوز في قولـه: { بسم الله مجراها ومرساها } أن يكون حالاً من شيئين من الضمير الذي في قوله { اركبوا } ومن الضمير الذي في فيها فإن جعلت قوله { بسم الله } خبر مبتدأ مقدماً في قول من لم يرفع بالظرف أو جعلت قوله { مجراها } مرتفعاً بالظرف لم يكن { بسم الله مجراها } إلا جملة في موضع الحال من الضمير الذي في فيها ولا يجوز أن يكون من الضمير الذي في قولـه { اركبوا } لأنه لا ذكر فيها يرجع إلى الضمير ألا ترى أن الظرف في قوله: من رفع بالظرف قد ارتفع به الظاهر وفي قول من رفع في هذا النحو بالابتداء قد جعل في الظرف ضمير المبتدأ فإذا كان كذلك خلت الجملة من ذكر يعود إلى ذي الحال من الحال وإذا خلا من ذلك لم يكن إلا حالاً من الضمير الذي في فيها ويجوز أن يكون بسم الله حالاً من الضمير الذي في قولـه { اركبوا } على أن لا يكون الظرف خبراً عن الإسلام الذي هو مجراها على ما كان في الوجه الأول ويكون حالاً من الضمير على حدّ قولك خرج بثيابه وركب في سلاحه. والمعنى ركب مستعداً بسلاحه ومتلبساً بثيابه.
وفي التنزيل
{ { وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به } [المائدة: 61] فكان المعنى { اركبوا } متبركين باسم الله ومتمسكين بذكر اسم الله ويكون في باسم الله ذكر يعود إلى المأمورين فإن قلت فكيف يكون اتصال المصدر الذي هو مجريها بالكلام على هذا فإنه يكون متعلقاً بما في باسم الله من معنى الفعل وجاز تعلّقه به لأن يكون ظرفاً على نحو مقدم الحاج وخفوق النجم كأنهم متبركين بهذا الاسم أو متمسكين به في وقت الجري أو الإجراء والرسو أو الإرساء على حسب الخلاف بين القراء فيه ولا يكون الظرف متعلقاً باركبوا لأن المعنى ليس عليه، ألا ترى أن المعنى لا يراد اركبوا فيها في وقت الجري والثبات إنما المعنى اركبوا الآن متبركين باسم الله في الوقتين اللذين لا ينفك الراكبون فيها من الإجراء والإرساء ليس يراد اركبوا وقت الجري والرسو فموضع مجريها نصب على هذا الوجه بأنه ظرف عمل فيه المعنى وفي الوجه الأول رفع بالابتداء أو بالظرف ويدل على أنه في الوجه الأول رفع وإن كان ذلك الفعل الذي كان يتعلق به لا يعتبر به الآن قول الشاعر أنشده الأصمعي:

وابأبي أنْتِ وفُوكِ الأشْنَبُ كَأَنَّمـا ذُرَّ عَلَيْــهِ الزَّرْنَـــبُ

وحجة من فتح مجريها قولـه وهي تجري بهم ولو كان مجراها لكان وهي تُجريهم وحجة من ضمَّ إن جرت بهم وأجرتهم يتقاربان في المعنى. يقال: جرى الشيء وأجريته وجريت به وأما قوله يا بني فقد قال أبو علي الكسر في الياء الوجه في { يا بني } وذلك أن اللام من ابن ياء أو واو حذفت في ابن كما حذفت في اسم واثنين فإذا حقرت ألحقت ياء التحقير فلزم أن تردّ اللام الذي حذفت لأنك لو لم تردها لوجب أن تحرك بالتحقير بحركات الإعراب وتعاقبها عليها وهي لا تحرك أبداً بحركة الإعراب ولا غيرها ألا ترى أن من حذف الهمزة الساكن ما قبلها في نحو الخبء لم يفعل ذلك في الهمز نحو أُفيْئس إنما يبدل من الهمزة ياء ويدغم فيها ياء التحقير كما يفعل ذلك مع ياء خطية وواو مقروة ونحو ذلك من حروف المد التي لا تتحرك فإذا تبينت أن ياء التحقير أجريت هذا المجرى علمت أنها لا تتحرك كما لا تتحرك حروف المد التي أجريت بالتحقير مجراها فلو لم ترد اللام مع ياء التحقير وجعلتها محذوفة في التحقير كما حذفتها في التكبير للزم الياء التي للتحقير الانقلاب كما لزم سائر حروف الإعراب فيبطل دلالتها على التحقير.
كما أن الألف في التكسير لو حركتها لبطلت دلالتها على التكسير ولذلك رددت اللام فإذا رددت اللام وأضفتها إلى نفسك اجتمعت ثلاث ياءات الأولى منها التي للتحقير والثانية لام الفعل والثالثة التي للإضافة تقول هذا بني فإذا ناديت جاز فيها وجهان إثبات الياء وحذفها فمن قال يا عبادي فأثبت فقياس قوله أن يقول: يا بني ومن قال: يا عباد قال: يا بني فحذف الياء التي للإضافة وأبقى الكسرة دالة عليها وهذا الوجه هو الجيد عندهم. ومن قرأ يا بني بالفتح فالقول فيه أنه أراد به الإضافة كما أرادها في قولـه يا بني إذا كسر الياء التي هي لام الفعل كأنه قال يا بني بإثبات ياء الإضافة ثم ابدل من الكسرة الفتحة ومن الياء الألف فصار يا بنياً كما قال الشاعر:

يا بنت عما لا تلومي واهجعي

ثم حذف الألف كما كان حذف الياء في يا بني وقد حذفت الياء التي للإضافة إذا أبدلت الألف منها أنشد أبو الحسن:

فَلَسْتُ بِمُدْرِكٍ مــا فـاتَ مِنّي بِلَهْفِ وَلا بِلَيْتَ وَلا لَوْ أنّي

إنما هو بلهفا قال أبو عثمان: ووضع الألف مكان الياء في الإضافة مطرد وأجاز يا زيداً أقبل إذا أردت الإضافة فقال: وعلى هذا قراءة من قرأ يا أبت لم تعبد ويا قوم لا أسألكم وأنشد:

وهل جزع إن قلت وابتهاهما

وأما من قرأ { ونادى نوح ابنه } فإنه أراد ابنها كما روي عن عكرمة والمعنى ابن امرأته لأنه قد جرى ذكرها في قولـه سبحانه: { وأهلك } فحذف الألف تخفيفاً كما قلنا في بَني بالفتح ويا أبت وأما قراءة السدي ابناه فإنه يريد به الندبة وهو على الحكاية أي قال له يا ابناه ووا ابناه فأما ابنه بالسكون فعلى ما جاء في نحو قوله:

ومَطْواي مُشْتَاقان لَهْ أرقانِ

اللغة: الفور الغليان وأصله الارتفاع فار القدر يفور فوراً وفؤرراً وفوراناً ارتفع ما فيه بالغليان ومنه قولهم فعل ذلك من فوره أي من قبل أن يسكن والإرساء إمساك السفينة بما تقف عليه يقال: أرساها الله فرست قال عنترة:

فَصَبَرْتُ نَفْساً عِنْدَ ذلِكَ حُرَّةً تَرْسُـو إذا نَفْسُ الجَبانِ تَطَلَّعُ

والموج: جمع موجة وهي قطعة عظيمة ترتفع عن جملة الماء الكثير والعصمة المنع.
الإعراب: حتى متعلقة بقولـه { واصنع الفلك بأعيننا } { لا عاصم } رُكّب عاصم مع لا فبنى لأنهما بالتركيب صارا كاسم واحد. وقيل: إنه بني لتضمنه معنى من لأن هذا جواب هل من عاصم وحق الجواب أن يكون وفق السوأل فكان يجب أن يقول لا من عاصم إلا أنَّ من حذفت وتضمن الكلام معناه فبني الإسم لذلك وهذا وجه حسن واليوم خبر والعامل فيه المحذوف لا قولـه { عاصم } لأنه لو عمل فيه عاصم لصار من صلته فكان يجب تنوينه لأنه يشبه المضاف كما تقول لا ضارباً زيداً في دارك ولم يقرأ أحد لا عاصماً اليوم. وقيل: إن خبره قولـه من أمر الله والتقدير لا ذا عصمة كائن من أمر الله في اليوم واليوم معمول الظرف وأن تقدَّم عليه كما جاز كل يوم لك ثوب ولا يجوز أن يتعلق اليوم بنفس أمر لأن أمراً مصدر فلا يتقدم عليه ما في صلته ومن رحم فيه ثلاثة أقوال أحدها: أن يكون استثناء منقطعاً لأن التقدير الا منرحمه الله فيكون من مفعولاً واستثناء من عاصم وعاصم فاعل فكأنه قال لكن منرحمه الله معصوم وثانيها: أن يكون المعنى لا عاصم إلا من رحمنا فكأنه قال لا عاصم إلا الله والثالث: أن عاصم ههنا بمعنى معصوم وتقديره لا معصوم من أمر الله إلا منرحمه الله وقد يأتي فاعل بمعنى مفعول كقوله
{ { في عيشة راضية } [الحاقة: 21 والقارعة: 7] أي مرضية وماء دافق أي مدفوق وقال الحطيئة:

دَعِ المَكارِمَ لا تَرْحَــلْ لِبَغْيَتِهـــا وَاقْعُدْ فَإِنَّكَ الطَّاعِمُ الكاسِي

أي المكسو وعلى القولين الأخيرين يكون الاستثناء متصلاً. وقال ابن كيسان: لما قال لا عاصم كان معناه لا معصوم لأن في نفي العاصم نفي المعصوم. ثم قال: { إلا من رحم } فاستثناه على المعنى فيكون متصلاً.
المعنى: ثم أخبر سبحانه عن إهلاك قوم نوح فقال { حتى إذا جاء أمرنا } والمعنى فذلك حاله وحالهم حتى إذا جاء قضاؤنا بنزول العذاب { وفار التنور } بالماء أي ارتفع الماء بشدة اندفاع وفي التنور أقوال أولها: أنه تنور الخابزة وأنه تنور كان لآدم فار الماء منه علامة لنوح (ع) إذ نبع الماء من موضع غير معهود خروجه منه عن ابن عباس والحسن ومجاهد ثم اختلف في ذلك فقال قوم: إن التنور كان في دار نوح (ع) بعين وردة من أرض الشام وقال قوم بل كان في ناحية الكوفة وهو المروي عن أئمتنا (ع) وروى المفضل بن عمر عن أبي عبد الله (ع) في حديث طويل. قال: كان التنور في بيت عجوز مؤمنة في دير قبلة ميمنة مسجد الكوفة قال قلت فكيف كان بدء خروج الماء من ذلك التنور. قال: نعم إن الله أحب أن يري قوم نوح آية ثم إن الله سبحانه أرسل عليهم المطر يفيض فيضاً وفاض الفرات فيضاً وفاضت العيون كلها فيضاً فغرقهم الله وأنجى نوحاً ومن معه في السفينة فقلت فكم لبث نوح في السفينة حتى نضب الماء فخرجوا منها. فقال: لبث فيها سبعة أيام بلياليها فقلت له إن مسجد الكوفة لقديم فقال نعم وهو مصلى الأنبياء ولقد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسري به إلى السماء قال له جبرائيل (ع) يا محمد هذا مسجد أبيك آدم ومصلى الأنبياء فأنزل فصلِّ فيه فنزل فصلى فيه ثم إن جبرائيل (ع) عرج به إلى السماء وفي رواية أخرى أن السفينة استقلت بما فيها فجرت على ظهر الماء مائة وخمسين يوماً بلياليها. وروى أبو عبيدة الحذاء عن أبي جعفر (ع) قال: مسجد كوفان وسطه روضة من رياض الجنة الصلاة فيه بسبعين صلاة صلّى فيه ألف نبي وسبعون نبياً فيه فار التنور وجرت السفينة وهو سرة بابل ومجمع الأنبياء عليهم السلام.
وثانيها: إن التنور وجه الأرض عن ابن عباس والزهري وعكرمة واختاره الزجاج ويؤيده قوله
{ { وفجرنا الأرض عيوناً } [القمر: 12].
وثالثها: أن معنى قوله { وفار التنور } طلع الفجر وظهرت إمارات دخول النهار وتقضي الليل من قولهم نوَّر الصبح تنويراً. وروي ذلك عن علي (ع).
ورابعها: أن التنور أعلى الأرض وأشرفها والمعنى نبع الماء من الأمكنة المرتفعة فشبَّهت بالتنانير لعلوها عن قتادة.
وخامسها: أن فار التنور معناه اشتدَّ غضب الله عليهم ووقعت نقمته بهم كما تقول العرب حمي الوطيس إذا اشتد الحرب وفار قدر القوم إذا اشتد حربهم قال الشاعر:

تَفُورُ عَلَيْنا قِدْرُهُمْ فَنُذيمُها ونَفْثَأُها عَنّا إِذا حَمْيُهَا غَلا

يريد بالقدر الحرب ونذيمها نسكنها وهذا أبعد الأقوال من الأثر وحمل الكلام على الحقيقة التي تشهد بها الرواية أولى { قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين } أي قلنا لنوح (ع) لما فار الماء من التنور احمل في السفينة من كل جنس من الحيوان زوجين أي ذكر وأنثى وقد ذكرنا المعنى في حجة القراءتين { وأهلك } أي واحمل أهلك وولدك { إلا من سبق عليه القول } أيّ من سبق الوعد بإهلاكه والإخبار بأنه لا يؤمن وهي امرأته الخائنة واسمها واغلة وابنها كنعان { ومن آمن } أي واحمل فيها من آمن بك من غير أهلك.
ثم أخبر سبحانه فقال { وما آمن معه إلا قليل } أي إلا نفر قليل وهم ثمانون إنساناً في قول الأكثرين. وقيل: اثنان وسبعون رجلاً وامرأة وبنوه الثلاثة ونساؤهم فهم ثمانية وسبعون نفساً وحمل معه جسد آدم (ع) عن مقاتل. وقيل: عشرة أنفس عن ابن إسحاق. وقيل: ثمانية أنفس عن ابن جريج وقتادة. وروي ذلك عن أبي عبد الله (ع). وقيل: سبعة أنفس عن الأعمش وكان فيهم بنوه الثلاثة سام وحام ويافث وثلاث كنائن لهم فالعرب والروم وفارس وأصناف العجم ولد سام والسودان من الحبش والزنج وغيرهم ولد حام والترك والصين والصقالبة ويأجوج ومأجوج ولد يافث.
{ وقال اركبوا فيها } أي وقال نوح لمن آمن معه اركبوا في السفينة وفي الكلام حذف تقديره فلما فار التنور ووقف نوح على ما دلَّه الله عليه من هلاك الكفار قال لأهله وقومه اركبوا فيها { بسم الله مجراها ومرساها } أي متبركين باسم الله أو قائلين بسم الله وقت إجرائها ووقت إرساؤها أي إثباتها وحبسها. وقيل: معناه بسم الله إجراؤها وإرسائها وقد ذكرنا تفسيره في الحجة وقال الضحاك: كانوا إذا أرادوا أن تجري السفينة قالوا { بسم الله مجراها } فجرت وإذا أرادوا أن تقف السفينة قالوا بسم الله مرسيها فوقفت { إن ربي لغفور رحيم } هذا حكاية عما قاله نوح لقومه ووجه اتصاله بما قبله أنه لما ذكرت النجاة بالركوب في السفينة ذكرت النعمة بالمغفرة والرحمة لتجتلبا بالطاعة كما اجتلبت النجاة بركوب السفينة.
{ وهي تجري بهم في موج كالجبال } معناه أن السفينة كانت تجري بنوح ومن معه على الماء في أمواج كالجبال في عظمها وارتفاعها ودلَّ بتشبيهها بالجبال على أن ذلك لم يكن موجاً واحداً بل كان كثيراً وروي عن الحسن أن الماء ارتفع فوق كل شيء وفوق كل جبل ثلاثين ذراعاً وقال غيره: خمسة عشر ذراعاً. وقيل: إن سفينة نوح سارت لعشر مضين من رجب فسارت ستة أشهر حتى طافت الأرض كلها لا تستقر في موضع حتى أتت الحرم فطافت بموضع الكعبة أسبوعاً وكان الله سبحانه رفع البيت إلى السماء ثم سارت بهم حتى انتهت إلى الجودي وهو جبل بأرض الموصل فاستقرَّت عليه اليوم العاشر من المحرم وروى أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) أن نوحاً ركب السفينة في أول يوم من رجب فصام وأمر من معه أن يصوموا ذلك اليوم وقال من صام ذلك اليوم تباعدت عنه النار مسيرة سنة.
{ ونادى نوح ابنه } كنعان. وقيل: إن اسمه يام { وكان في معزل } أي في قطعة من الأرض غير القطعة التي كان نوح فيها حين ناداه. وقيل: معناه كان في ناحية من دين أبيه أي قد اعتزل دينه وكان نوح يظن أنه مسلم فلذلك دعاه. وقيل: كان في معزل من السفينة { يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين } دعا ابنه إلى أن يركب معه في السفينة ليسلم من الغرق. قال الحسن: كان ينافق أباه فلذلك دعاه وقال أبو مسلم: دعاه بشرط الإيمان ومعناه يا بني آمن بالله ثم اركب معنا ولا تكن على دين الكافرين وعلى القول الأول يكون معناه لا تتخلف مع الكافرين فتغرق معهم فأجابه ابنه { قال سآوي إلى جبل } أي سأرجع إلى مأوى من جبل { يعصمني من الماء } أي يمنعني من آفات الماء { قال } نوح { لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم } أي لا مانع ولا دافع اليوم من عذاب الله إلا منرحمه الله بإيمانه فآمن بالله يرحمك الله { وحال بينهما الموج فكان } أي فصار { من المغرقين }.