التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ
٩٦
إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَٱتَّبَعُوۤاْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ
٩٧
يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ ٱلنَّارَ وَبِئْسَ ٱلْوِرْدُ ٱلْمَوْرُودُ
٩٨
وَأُتْبِعُواْ فِي هَـٰذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ بِئْسَ ٱلرِّفْدُ ٱلْمَرْفُودُ
٩٩
ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ
١٠٠
وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ ٱلَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ لَّمَّا جَآءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ
١٠١
وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ
١٠٢
إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ ٱلآخِرَةِ ذٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ ٱلنَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ
١٠٣
-هود

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: يقال: قدمت القوم أقدمهم قدماً إذا مشيت أمامهم واتبعوك، الأزهري: قَدَمَ يَقْدُم وتَقَدَّم وقَدَّمَ وأقْدَم واستقدم بمعنى والورد ورود الماء الذي يورد والإبل الواردة والجمع أوراد الإيراد إيجاب الورود في الماء أو ما يقوم مقامه قال الشاعر:

يرد المياه حضيرة ونفيضةٍ وِرْدَ الْقَطاةِ إذا اسْمَــألَّ التُبَّعُ

وقال لبيد:

فَـــوَردنا قبْـــل فَرَّاط القَطا إنّ مِنْ ورْدِي تغْلِيس النَّهلْ

وأصل الورود الاشراف على الدخول وليس بالدخول قال عنترة:

فَلَمّــا وَرَدْن المــاءَ زُرْقاً جمامه وضَعْنَ عِصيَّ الحاضِرِ الْمُتَخيِّم

والرفد العون على الأمر. يقال: رفده يرْفدْه رفداً ورَفدا بفتح الراء وكسرها قال الزجاج: كل شيء جعلته عوناً لشيء أو اسندت به شيئاً فقد رفدته به يقال: عمدت الحائط وأسندته وأرفدته ورفدته بمعنى واحد. ويقال: رفده وأرفده إذا أعطاه والاسم الرفد لأن العطاء عون المعطي والحصيد بمعنى المحصود والحصد قطع الزرع من الأصل وهذا زمن الحصاد بفتح الحاء وكسرها. ويقال: حصدهم بالسيف إذا قتلهم وتتبيب من تبت يده أي خسرت قال جرير:

عِرابَةُ مِنْ بقِيَّةِ قَوْم لوط ألا تبّــاً لِمــا فَعَلُــوا تِبـابا

والفرق بين العذاب والألم أن العذاب استمرار الألم وقال عبيد:

والمَرْءُ ما عاشَ في تَكْذِيب طُـــولُ الحَيـــاةِ لَــهُ تَعْذِيبُ

المعنى: ثم عطف سبحانه قصة موسى (ع) على ما تقدَّم من قصص الأنبياء فقال { ولقد أرسلنا موسى بآياتنا } أي بحججنا ومعجزاتنا الدالة على نبوته { وسلطان مبين } أي وحجة ظاهرة مخلصة من تلبيس وتمويه على أتمّ ما يمكن فيه، والسلطان وإن كان في معنى الآيات فإنما عطفه عليها لأن الآيات حجج من وجه الاعتبار العظيم بها والسلطان حجة من جهة القوة العظيمة على المبطل وكل عالم له حجة يقهر بها شبهة من نازعه من أهل الباطل فله سلطان وقد. وقيل: إن سلطان الحجة أنفذ من سلطان المملكة، والسلطان متى كان محقّاً حجة وجب اتباعه وإذا كان بخلافه لا يجب اتباعه قال الزجاج: السلطان إنما سمي سلطاناً لأنه حجة الله في أرضه واشتقاقه من السليط الذي يستضاء به.
{ إلى فرعون وملاءه } أي قومه. وقيل: أشراف قومه الذين تملأ الصدور هيبتهم { فاتبعوا أمر فرعون } وتركوا أمر الله تعالى { وما أمر فرعون برشيد } أي مرشد ومعناه ما هو بهاد لهم إلى رشد ولا قائد إلى خير فأمر فرعون كان على ضدّ هذه الحال لأنه داع إلى الشرّ وصادّ عن الخير وفي هذا دلالة على أن لفظة الأمر مشتركة بين القول والفعل والمراد ها هنا وما فعل فرعون برشيد { يقدم قومه يوم القيامة } يعني أن فرعون يمشي بين يدي قومه يوم القيامة على قدميه حتى يهجم بهم على النار كما كان يقدمهم في الدنيا يدعوهم إلى طريق النار وإنما قال.
{ فأوردهم } على لفظ الماضي والمراد به المستقبل لأن ما عطفه عليه من قولـه يقدم قومه يوم القيامة يدل عليه عن الجبائي. وقيل: إنه معطوف على قولـه { فاتبعوا أمر فرعون } { وبئس الورد المورود } أي بئس الماء الذي يردُّونه عطاشاً لإحياء نفوسهم { النار } إنما أطلق سبحانه على النار اسم الورد المورود ليطابق ما يرد عليه أهل الجنة من الأنهار والعيون. وقيل: معناه بئس المدخل المدخول فيه النار. وقيل: بئس الشيء الذي يرده النار. وقيل: بئس النصيب المقسوم لهم النار وإنما أطلق بلفظ بئس وإن كان عدلاً حسناً لما فيه من البؤس والشدة.
{ واتبعوا في هذه } يعني أُلحقوا في الدنيا { لعنة } وهي الغرق { ويوم القيامة } يعني ولعنة يوم القيامة وهي عذاب الآخرة. وقيل: معناه اتبعهم الله في الدنيا لعنة بإبعادهم من الرحمة واتبعهم الأنبياء والمؤمنون بالدعاء عليهم باللعنة ويتبعهم الله اللعنة في القيامة حتى لا تفارقهم اللعنة حيث كانوا قال ابن عباس من ذكرهم لعنهم { بئس الرفد المرفود } أي بئس العطاء المعطي النار واللعنة وإنما سماه رفداً لأنه في مقابلة ما يعطى أهل الجنة من أنواع النعيم وقال قتادة: ترافدت عليهم لعنتان من الله لعنة في الدنيا ولعنة في الآخرة وسأل نافع بن الأزرق ابن عباس عن قوله { بئس الرفد المرفود } قال: هو اللعنة بعد اللعنة وقال الضحاك: اللعنتان اللتان أصابتهم رفدت إحداهما الأخرى.
{ ذلك } أي ذلك النبأ { من أنباء القرى } أي من أخبار البلاد { نقصُّه عليك } أن نذكره لك ونخبرك به تذكرة وتسلية لك يا محمد { منها قائم وحصيد } أي من تلك الديار معمور وخراب قد أتى عليه الإهلاك ولم يعمر فيما بعد. وقيل: معناه منها قائم على بنائه لم يذهب أصلاً وإن كان خالياً من أهله وحصيد قد خرب وذهب واندرس أثره كالشيء المحصود عن قتادة وأبي مسلم. وقيل: منها قائم ينظرون إليها وحصيد قد هلك وباد أهله عن ابن عباس.
{ وما ظلمناهم } بإهلاكهم { ولكن ظلموا أنفسهم } بأن كفروا وارتكبوا ما استحقَّوا به الهلاك فكان ذلك ظلمهم لأنفسهم { فما أغنت عنهم آلهتهم } أي أوثانهم { التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك } أي عذاب ربك. وقيل: أمر ربك بإهلاكهم { وما زادوهم غير تتبيب } أي غير تخسير عن مجاهد وقتادة والمعنى لم يزيدوهم شيئاً غير الهلاك والخسار وإنما أضاف الإهلاك إلى الأصنام لأنها السبب في ذلك ولو لم يعبدوها لم يهلكوا وإنما قال { يدعون من دون الله } لأنهم كانوا يسمُّونها آلهة ويطلبون الحوائج منها كما يطلبها الموحدون من الله.
{ وكذلك أخذ ربك } أي وكما ذكر من إهلاك الأمم وأخذهم بالعذاب أخذ ربك { إذا أخذ القرى } أي أخذ أهلها وهو أن ينقلهم إلى العقوبة والهلاك { وهي ظالمة } من صفة القرى وهو في الحقيقة لأهلها وسكّانها ونحوه
{ { وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة } [الأنبياء: 11].
وفي { الصحيحين } عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"إن الله تعالى يمهل الظالم حتى إذا أخذه لم يفلته" ثم قرأ هذه الآية { إن أخذه أليم شديد } معناه إن أخذ الله سبحانه الظالم مؤلم شديد الألم { إن في ذلك لآية } أي إنَّ فيما قصصنا عليك من إهلاك من ذكرناه على وجه العقوبة لهم على كفرهم لعبرة وتبصرة وعلامة عظيمة { لمن خاف عذاب الآخرة } أي لمن خشي عقوبة الله يوم القيامة وخصَّ الخائف بذلك لأنه هو الذي ينتفع به بالتدبر والتفكر فيه { ذلك يوم مجموع له الناس } أي يجمع فيه الناس كلهم الأولون والآخرون منهم للجزاء والحساب والهاء في له راجعة إلى اليوم { وذلك يوم مشهود } أي يشهده الخلائق كلهم من الجن والإنس وأهل السماء وأهل الأرض أي يحضره ولا يوصف بهذه الصفة يوم سواه وفي هذا دلالة على إثبات المعاد وحشر الخلق.