التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱلشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ ٱلأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٢٢
-إبراهيم

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ حمزة وحده بمصرخيّ بكسر الياء والباقون بفتحها.
الحجة: قال أبو علي قال الفراء في كتابه في التصريف هو قراءة الأَعمش ويحيى بن وثاب قال وزعم القاسم بن معن أنه صواب قال وكان ثقة بصيراً, وزعم قطرب أنه لغة من بني يربوع يزيدون على ياء الإِضافة ياء وأنشد:

ماضٍ إذا ما هَمَّ بالمُضِيِّقالَ لَها هَلْ لَكَ يا نــاقـِـيِّ
قالَتْ لَهُ ما أَنْتَ بالْمَرْضِيّ

وأنشد الفراء ذلك أيضاً ووجه ذلك من القياس أن الياء ليست تخلو من أن تكون في موضع النصب أو الجر فالياء في النصب والجر كالهاء فيهما وكالكاف في أكرمتك وهذا لك فكما أن الهاء قد لحقتها الزيادة في هذا كهو وألحقت أيضاً الكاف الزيادة في قول من قال أعطيتكاه وأعطتكيه فيما حكاه سيبويه وهما أختا الياء كذلك ألحقوا الياء الزيادة في المد فقالوا فييَّ ثم حذفت الياء الزائدة على الياء كما حذفت من الهاء في قول من قال لَهْ أَرِقان.
وزعم أبو الحسن أنها لغة فكما حذفت الزيادة من الكاف في قول من قال أعطيتكيه وأعطيتكه كذلك حذفت الياء اللاحقة للياء وبالجملة حذفت الزيادة من الياء كما حذفت من أختيها وأقرت الكسرة التي كانت تلي الياء المحذوفة فبقيت الياء على ما كانت عليها من الكسرة وكما لحقت الكاف والهاء والياء الزيادة كذلك لحقت التاء الزيادة نحو "رميتيه فأصبتيه وما أخطأت الرمية" فإذا كانت هذه الكسرة في الياء على هذه اللغة وإن كان غيرها أفشى منها وعضده من القياس ما ذكرناه لم يجز لقائل أن يقول إن القراءة بذلك لحن لاستفاضة ذلك في السماع والقياس قال البصير كسر الياء ليكون طبقاً لكسرة همزة قوله: { إني كفرت } لأنه أراد الوصل دون الوقف والابتداء بإني كفرت لأن الابتداء بأني كفرت محال أراد هذا المعنى كان كسر الياء أدل على هذا من فتحها.
اللغة: الإصراخ الإغاثة بإجابة الصارخ ويقال استصرخني فلان فأصرخته أي استغاث بي فأغثته.
المعنى: لما تقدَّم وعيد الكافر وصفة يوم الحشر وما يجري فيه من الجدال بين الأتباع والمتبوعين عقَّب ذلك سبحانه بكلام الشيطان في ذلك اليوم فقال { وقال الشيطان } وهو إبليس باتفاق المفسرين يقول لأوليائه الذين اتبعوه { لما قضي الأمر } أي فرغ من الحكم بين الخلائق ودخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار عن ابن عباس والحسن, وقالا إنه لم يخاطبهم بذلك قال الحسن وهو أحقر وأذل من أن يخاطب لولا أن الله أذن فيه توبيخاً لأهل النار. وقيل إنه يوضع له منبر في النار فيرقاه ويجتمع الكفار عليه باللائمة عن مقاتل.
{ إن الله وعدكم وعد الحق } من البعث والنشور والحساب والثواب والعقاب { ووعدتكم } أن لا بعث ولا نشور ولا جنة ولا نار وقيل ووعدتكم الخلاص من العقاب بارتكاب المعاصي { فأخلفتكم } أي كذبتكم وقيل لم أوف لكم بما وعدتكم { وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم } أي وما كان لي عليكم سلطان بالإِكراه والإجبار على الكفر والمعاصي وإنما كان لي سبيل الوسوسة والدعوة.
{ فاستجبتم لي } بسوء اختياركم وقيل معناه ما أظهرت لكم حجة بها عليكم إلا أن دعوتكم فيكون هذا من الاستثناء المنقطع ومعناه لكن دعوتكم إلى الضلال وأغويتكم فصدَّقتموني وأجبتموني وقبلتم مقالتي بسوء اختياركم لأنفسكم { فلا تلوموني } على ما حلَّ بكم من العقاب بسوء اختياركم { ولوموا أنفسكم } حيث عدلتم عن أمر الله إلى اتباعي من غير دليل وبرهان.
{ ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي } أي ما أنا بمغيثكم ولا معينكم وما أنتم بمغيثي ولا معيني { إني كفرت بما أشركتموني من قبل } أي كفرت الآن بما كان من إشراككم إياي مع الله في الطاعة أي جحدت أن أكون شريكاً لله تعالى فيما أشركتموني فيه من قبل هذا اليوم, وقال الفراء وجماعة: تقديره إني كفرت بما أشركتموني به أي بالله ويعني بقوله: { من قبل } في وقت آدم (ع) حين أمر بالسجود فأبى واستكبر.
{ إن الظالمين لهم عذاب أليم } قيل إنه من تمام قول الشيطان لأهل النار وقيل إنه ابتداء وعيد من الله تعالى لهم وهو الأظهر وفي هذه الآية دلالة على أن الشيطان لا يقدر على أكثر من الدعاء والإغواء وأنه ليس عليه إلا عقاب الدعوة فحسب.