التفاسير

< >
عرض

أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ ٱلْكُفْرَ بِٱلإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ
١٠٨
-البقرة

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: السؤال هو أن يُطلب أمر ممن يعلم معنى الطلب وسواء بالمد على ثلاثة أوجه بمعنى قصد وعدل وبمعنى وسط في قولـه: { { إلى سواء الجحيم } [الدخان: 47] وبمعنى غير في قولك أتيت سواك أي غيرك ومعنى ضلّ ههنا ذهب عن الاستقامة قال الأخطل:

كُنْتَ القَذَى في مَوْجِ أكْدَرَ مُزْبِدٍ قَذَفَ الآتيُّ بِهِ فَصَلَّ ضَلاَلا

أي ذهب يميناً وشمالاً والسبيل والطريق والمذهب نظائر والجمع السبل.
الإعراب: أم هذه منقطعة فإن أم على ضربين متصلة ومنقطعة فالمتصلة عديلة الألف وهي مفرقة لما جمعتْه أيّ كما أن أو مفرقة لما جمعه أحد تقول اضرب أيّهم شئت زيداً أم عمراً أم بكراً كما تقول اضرب أحدهم زيداً وعمراً أو بكراً والمنقطعة لا تكون إلا بعد كلام لأنها بمعنى بل وهمزة الاستفهام كقول العرب إنها لأبل أم شاء كأنه قال بل أهي شاء فقولـه أم تريدون تقديره بل أتريدون ومثله قول الأخطل:

كَذَبَتْكَ عَيْنُكَ أمْ رَأيْتَ بِوَاسِطٍ غَلَسَ الظَّلاَمِ مِنَ الرَّبِابِ خَيَالاَ

أن تسألوا موصول وصلة في محل النصب لأنه مفعول تريدون كما أن الكاف حرف جر ما حرف موصول سُئل موسى جملة فعلية هي صلة ما والموصول والصلة في محل الجر بالكاف والكاف متعلق بتسألوا والجار والمجرور في محل النصب على المصدر ومن قبل في محل النصب لأنه ظرف قولـه سئل ومَن اسم للشرط في محل الرفع بالابتداء والفاء في قولـه: { فقد ضل سواءَ السبيل } في محل الجزم لأنه جواب الشرط ومعنى حرف الشرط الذي تضمنه مَن مع الجملتين في محل الرفع لأنه خبر المبتدأ.
النزول: اختلف في سبب نزول الآية فروي عن ابن عباس أنه قال: إنّ رافع بن حرملة ووهب ابن زيد قالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ائتنا بكتاب تنزله علينا من السماء نقرؤه وفَجّر لنا أنهاراً نتبعك ونصدقك. فأنزل الله هذه الآية وقال الحسن: عنَى بذلك مشركي العرب وقد سألوا فقالوا
{ لن نؤمن لك حتى تفجر لنا } [الإسراء: 90] إلى قولـه: { { أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً وقالوا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا } [الإسراء: 92] وقال السدي سألت العربُ محمداً أن يأتيهم بالله فيروه جهرة, وقال مجاهد سألت قريش محمداً أن يجعل لهم الصفا ذهباً قال: "نعم ولكن يكون لكم كالمائدة لقوم عيسى عليه السلام" فرجعوا وقال أبو علي الجبائي روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله قوم أن يجعل لهم ذات أنواط كما كان للمشركين ذات أنواط وهي شجرة كانوا يعبدونها ويعلقون عليها الثمر وغيره من المأكولات كما سألوا موسى عليه السلام { { اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة } [الأعراف: 138].
المعنى: { أم تريدون } أي بل أتريدون { أن تسألوا رسولكم } يعني النبي محمداً { كما سئل موسى } أي سأل قوم موسى موسى { من قبل } من الاقتراحات والمحالات { ومن يتبدل الكفر بالإيمان } أي من استبدل الجحود بالله وبآياته بالتصديق بالله والإقرار به وبآياته واقترح المحالات على النبي صلى الله عليه وسلم وسأل عما لا يعنيهِ بعد وضوح الحق بالبراهين { فقد ضل سواء السبيل } أي ذهب عن قصد الطريق وقيل عن طريق الاستقامة وقيل عن وسط الطريق لأن وسط الطريق خير من أطرافه.
النظم: وجه اتصال هذه الآية بما قبلها أنه لما دل الله تعالى بما تقدم على تدبيره لهم فيما يأتي به من الآيات وما ينسخه واختياره لهم ما هو الأصلح في كل حال قال أما ترضون بذلك وكيف تتخيرون محالات مع اختيار الله لكم ما يعلم فيه من المصلحة فإذا أتى بآية تقوم بها الحجة فليس لأحد الاعتراض عليها ولا اقتراح غيرها لأن ذلك بعد صحة البرهان بها يكون تعنتاً.