التفاسير

< >
عرض

بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
١١٢
-البقرة

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: أسْلَم يستعمل في شيئين أحدهما: أسلمه إلى كذا أي صرفه إليه تقول أسلمت الثوب إليه والثاني: أسلم له بمعنى أخلص له ومنه قولـه ورجلاً سَلَما لرجل أي خالصاً وقال زيد بن عمرو بن نفيل:

أسْلَمْتُ وَجْهِي لِمَنْ أسْلَمَــتْ لَهُ الأرْضُ تَجْمِلُ صَخْراً ثِقَالاَ
وَأسْلَمْتُ وَجْهِي لِمَنْ أسْلَمَتْ لَهُ الْمُزْنُ تَحْمِلُ عذْبـــاً زُلاَلاَ

ويروى وأسلمت نفسي والوجه مستقبل كل شيء ووجه الإنسان محياه ويقال وجه الكلام تشبيهاً بوجه الإنسان لأنه أول ما يبدو منه ويعرف به ويقال هذا وجه الرأي أي الذي يبدو منه ويعرف به والوجه من كل شيء أول ما يبدو فيظهر بظهوره ما بعده, وقد استعملت العرب لفظة وجه الشيء وهم يريدون نفسه إلا أنهم ذكروه باللفظ الأشرف الأنبه ودلّوا عليه به كما قال سبحانه: { { كل شيء هالك إلا وجهه } [القصص: 88] أي إلا هو ويبقى وجه ربك أي ربك وقال الأعشى:

وَأوَّلُ الحْكْمِ عَلَى وَجْهِهِ لَيْسَ قَضَائِي بالْهَوَى الْجَائِرِ

أي على ما هو به من الصواب وقال ذو الرمة:

فَطَاوَعْتُ هَمِّي وانْجَلى وَجْهُ نَازِلٍ مِنَ الأمْرِ لَمْ يَتْرُكْ خِلاَجاً نُزُوْلُهَا

يريد وانجلى النازل من الأمر.
الإعراب: بلى يدخل في جواب الاستفهام مثل قولـه:
{ { ألست بربكم قالوا بلى } [الأعراف: 172] ويصلح أن يكون تقديره هنا أما يدخل الجنة أحد فقيل بلى من أسلم وجهه لله لأن ما تقدم يقتضي هذا السؤال ويصلح أن يكون جواباً للجحد على التكذيب كقولك ما قام زيد فيقول بلى قد قام ويكون التقدير هنا ليس الأمر كما قال الزاعمون لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى ولكن من أسلم وجهه لله وهو محسن فهو يدخلها, ومن أسلم يجوز أن يكون مَنْ موصولاً ويجوز أن يكون للشرط فيكون أسلم إما صلة له وإما مجزوم الموضع بكونه شرطاً أو يكون من مبتدأ والفاء في قولـه فله أجره للجزاء واللام تتعلق بمحذوف في محل الرفع لأنه خبر لقولـه أجره والمبتدأ مع خبره في محل الرفع لوقوعه بعد الفاء والفاء مع ما دخل فيه في محل الجزم ومعنى حرف الشرط الذي تضمنه من مع الشرط والجزاء في محل الرفع بأنه خبر المبتدأ وإن كان مَنْ موصولاً فمن مع أسلم مبتدأ والفاء مع الجملة بعده خبره وعند ربه ظرف مكان في موضع النصب على الحال تقديره كائناً عند ربه والعامل فيه المحذوف الذي تعلق به اللام وذو الحال الضمير المستكن فيه, وقولـه وهو محسن في موضع نصب على الحال وإنما قال فله أجره على التوحيد ثم قال ولا خوف عليهم لأن من مفرد اللفظ مجموع المعنى فيحمل على اللفظ مرة وعلى المعنى أخرى.
المعنى: ثم ردّ الله سبحانه عليهم مقالتهم فقال: { بلى من أسلم وجهه لله } قيل معناه من أخلص نفسه لله بأن سلك طريق مرضاته عن ابن عباس وقيل وجَّه وجهه لطاعة الله وقيل فوض أمره إلى الله وقيل استسلم لأمر الله وخضع وتواضع لله لأن أصل الإسلام الخضوع والانقياد وإنما خص الوجه لأنه إذا جاد بوجهه في السجود لم يبخل بسائر جوارحه { وهو محسن } في عمله وقيل وهو مؤمن وقيل مخلص { فله أجره عند ربه } معناه فله جزاء عمله عند الله { ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } في الآخرة وهذا ظاهر على قول من يقول إنه لا يكون على أهل الجنة خوف ولا حزن في الآخرة وأما على قول من قال إن بعضهم يخاف ثم يأمن فمعناه أنهم لا يخافون فوت جزاء أعمالهم لأنهم يكونون على ثقة بأن ذلك لا يفوتهم.