التفاسير

< >
عرض

أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ ٱلْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـٰهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ
١٣٣
-البقرة

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: الشهداء جمع شهيد والشاهد والحاضر من النظائر تقول حضرت القوم أحضرهم حضوراً إذا شهدتهم والحضيرة الجماعة من الناس ما بين الخمسة إلى العشرة وأحضر الفرس إحضاراً إذا عدا عدواً شديداً وحاضرت الرجل محاضرة إذا عدوت معه وحاضرته إذا جاثيته عند السلطان أو في خصومة وحضرة الرجل فناؤه وأصل الباب الحضور خلاف الغيبة.
الإعراب: أم ها هنا منقطعة وهي لا تجيء إلا وقد تقدمها كلام لأنها التي تكون بمعنى بل وهمزة الاستفهام كأنه قيل بل أكنتم شهداء ومعنى أم ها هنا الجحد أي ما كنتم شهداء وإنما كان اللفظ على الاستفهام والمعنى على خلافه لأن إخراجه مخرج الاستفهام أبلغ في الكلام وأشد مظاهرة في الحجاج إذ يخرج الكلام مخرج التقرير بالحق فيلزم الحجة أو الإنكار له فتظهر الفضيحة, وإذ الأولى ظرف من قولـه شهداء, وإذ الثانية بدل من إذ الأولى وقيل العامل في الثانية حضر وكلاهما جائز ما للاستفهام وهو منصوب الموضع لأنه مفعول تعبدون ومن بعدي الجار والمجرور في محل النصب على الظرف وقولـه: { إلهاً واحداً } منصوب على أحد وجهين أن يكون حالاً فكأنه قال نعبد إلهك في حال وحدانيته أو يكون بدلاً من إلهك وتكون الفائدة فيه ذكر التوحيد ونحن له مسلمون جملة في موضع الحال ويجوز أن يكون على الاستئناف فلا يكون لها موضع من الإعراب و إبراهيم وإسماعيل وإسحاق في موضع جر على البدل من آبائك كما تقول مررت بالقوم أخيك وغلامك وصاحبك.
المعنى: خاطب سبحانه أهل الكتاب فقال: { أم كنتم شهداء } أي ما كنتم حضوراً { إذ حضر يعقوب الموت } وما كنتم حضوراً { إذ قال } يعقوب { لبنيه ما تعبدون من بعدي } ومعناه أنكم لم تحضروا ذلك فلا تدعوا على أنبيائي ورسلي الأباطيل بأن تنسبوهم إلى اليهودية والنصرانية فإني ما بعثتهم إلا بالحنيفية وذلك أن اليهود قالوا إن يعقوب يوم مات أوصى بنيه باليهودية فردّ الله تعالى عليهم قولـهم وإنما قال: { ما تعبدون } ولم يقل مَنْ تعبدون لأن الناس كانوا يعبدون الأصنام فقال أي الأشياء تعبدون من بعدي قالوا: { نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق } وإنما قدم ذكر إسماعيل على إسحاق لأنه كان أكبر منه وإسماعيل كان عم يعقوب وجعله أباً له لأن العرب تسمي العم أباً كما تسمي الجد أباً وذلك لأنه يجب تعظيمهما كتعظيم الأب ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:
" ردوا علي أبي" يعني العباس عمه.
{ إلهاً واحداً ونحن له مسلمون } أي مذعنون مقرّون بالعبودية وقيل خاضعون منقادون مستسلمون لأمره ونهيه قولاً وعقداً وقيل داخلون في الإسلام يدل عليه قولـه:
{ { إن الدين عند الله الإسلام } [آل عمران: 19].