التفاسير

< >
عرض

تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ
١٣٤
-البقرة

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: الأمة على وجوه الأول: الجماعة كما في الآية والثاني: القدوة والإمام في قولـه { { إن إبراهيم كان أمة قانتا } [النحل: 12] والثالث: القامة في قول الأعشى:

وَإنَّ مُعَاويــَـــةَ الأكْرمِيـ نَ حِسَانُ الوُجُوهِ طِوَالُ الأُمَمْ

والرابع: الاستقامة في الدين والدنيا قال النابغة:

حلَفْتُ فَلَم أَتْرُكْ لِنَفْسِي رَيْبَةً وَهَلْ يَأثَمَنْ ذُو أُمَّةٍ وَهُوَ طَائِعُ

أي ذو ملة ودين والخامس: الحين في قولـه: { وادكر بعد أمة } والسادس: أهل الملة الواحدة في قولـهم أمة موسى وأمة عيسى وأمة محمد صلى الله عليه وسلم وأصل الباب القصد من أَمَّه يؤمّه أمَّاً إذا قصده وخلت أي مضت وأصله الانفراد خلا الرجل بنفسه إذا انفرد وخلا المكان من أهله إذا انفرد منهم, والفرق بين الخلو والفراغ أن الخلو إذا لم يكن مع الشيء غيره وقد يفرغ من الشيء وهو معه يقال فرغ من البناء وهو معه فإذا قيل خلا منه فليس معه والكسب العمل الذي يجلب به نفع أو يدفع به ضرر عن النفس وكسب لأهله إذا اجتلب ذلك لهم بعلاج ومراس ولذلك لا يطلق الكسب في صفة الله.
الإعراب: قولـه: { لها ما كسبت } يحتمل أن يكون في موضع نصب على الحال فكأنه قيل ملزمة ما تستحقه بعملها ويجوز أن لا يكون لها موضع لأنها مستأنفة فلا تكون جزءاً من الخبر الأول لكن تكون متصلة به في المعنى وإن لم تكن جزءاً منه لأنها خبران في المعنى عن شيء واحد فكأنه قيل الجماعة قد خلت والجماعة لها ما كسبت عما كانوا يعملون ما اسم موصرل وكانوا يعملون صلته والموصول والصلة في موضع الجر بعن وعن تتعلق بتسألون.
المعنى: { تلك أمة قد خلت } أي جماعة قد مضت يعني إبراهيم وأولاده { لها ما كسبت } أي ما عملت من طاعة أو مصيبة { ولكم } يا معشر اليهود والنصارى { ما كسبتم } أي ما عملتم من طاعة أو معصية { ولا تسئلون عما كانوا يعملون } أي لا يقال لكم لم عملوا كذا وكذا على جهة المطالبة لكم بما يلزمهم من أجل أعمالهم كما لا يقال لهم لم عملتم أنتم كذا وكذا وإنما يطالب كل إنسان بعمله دون عمل غيره كما قال سبحانه
{ { ولا تزر وازرة وزر أخرى } [الأنعام: 164] وفي الآية دلالة على بطلان قول المجبرة أن الأبناء مؤاخذون بذنوب الآباء وإن ذنوب المسلمين تحمل على الكفار لأن الله تعالى نفى ذلك.