التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَٱشْكُرُواْ للَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ
١٧٢
-البقرة

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: الشكر هو الاعتراف بالنعمة مع ضرب من التعظيم ويكون على وجهين أحدهما: الاعتراف بالنعمة متى ذكرها المنعم عليه للاعتقاد له والثاني: الطاعة بحسب جلالة النعمة فالأول لازم في كل حال من أحوال الذكر والثاني أنه يلزم في الحال التي يحتاج فيها إلى القيام بالحق وأما العبادة فهي ضرب من الشكر إِلا أنها غاية فيه ليس وراءها شكر ويقترن به ضرب من الخضوع ولا يستحق العبادة غير الله سبحانه لأنها إنما تستحق بأصول النعم التي هي الحياة والقدرة والشهوة وأنواع المنافع وبقدر من النفع لا يوازيه نعمة منعم فلذلك اختص الله سبحانه باستحقاقها.
الإعراب: ما رزقناكم موصول وصلة والعائد من الصلة إلى الموصول محذوف وتقديره ما رزقناكموه وجواب الشرط محذوف تقديره إِن كنتم إِياه تعبدون فكلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله.
المعنى: ثم خاطب سبحانه المؤمنين وذكر نعمه الظاهرة عليهم وإِحسانه المبين إِليهم فقال { يا أيها الذين آمنوا كلوا } ظاهره الأمر والمراد به الإِباحة لأن تناول المشتهى لا يدخل في التعبد وقيل إنه أمر من وجهين. أحدهما: بأكل الحلال والآخر: بالأكل وقت الحاجة دفعاً للضرر عن النفي. قال القاضي وهذا مما يعرض في بعض الورقات والآية غير مقصورة عليه فيحمل على الإباحة { من طيبات ما رزقناكم } أي مما تستلذونه وتستطيبونه من الرزق وفيه دلالة على النهي عن أكل الخبيث في قول البلخي وغيره كأنه قيل كلوا من الطيب غير الخبيث كما أنه لو قال كلوا من الحلال لكان ذلك دالاً على خطر الحرام وهذا صحيح فيما له ضدّ قبيح مفهوم فأما غير ذلك فلا يدلّ على قبح ضدّه لأن قول القائل كل من مال زيد لا يدل على أنه أراد تحريم ما عداه لأنه يكون الغرض البيان لهذا خاصة وما عداه موقوف على بيان آخر وليس كذلك ما ضدّه قبيح لأنه قد يكون من البيان تقبيح ضدّه.
{ واشكروا لله } لما نبَّه سبحانه على إنعامه علينا بما جعله لنا من لذيذ الرزق أمرنا بالشكر لأن الإِنعام يقتضي الشكر وقولـه { إِن كنتم إِياه تعبدون } أي إِن كنتم تعبدونه عن علم بكونه منعماً عليكم وقيل إِن كنتم مخلصين له في العبادة وذكر الشرط هنا إِنما هو على وجه المظاهرة في الحجاج ولما فيه من حسن البيان وتلخيص الكلام إن كانت العبادة لله سبحانه واجبة عليكم بأنه إلهكم فالشكر له واجب عليكم بأنه منعم محسن إليكم.