التفاسير

< >
عرض

أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلاَلَةَ بِٱلْهُدَىٰ وَٱلْعَذَابَ بِٱلْمَغْفِرَةِ فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى ٱلنَّارِ
١٧٥
-البقرة

مجمع البيان في تفسير القرآن

الإعراب: ما أصبرهم قيل إنّ للتعجب كالتي في قولـه: { قتل الإِنسان ما أكفره } [عبس: 17] أي قد حلّ محل ما يتعجب منه وحكي عن بعض العرب أنه قال لخصمه ما أصبرك على الله ما أصبرك على عذاب الله وقيل إنه للاستفهام على معنى أي شيء أصبرهم يقال أصبرت السبع أو الرجل ونحوه إذا نصبته لما يكره قال الحطيئة:

قُلْتُ لَهَا أُصْبِرُهَا دَائِباً وَيْحَكِ أَمّثَالُ طُرَيْفٍ قَلِيلُ

أي ألزمها وأضطرها.
المعنى: { أولئك } إشارة إلى مَن تقدم ذكرهم { الذين اشتروا الضلالة بالهدى } أي استبدلوا الكفر بالنبي صلى الله عليه وسلم بالإِيمان به فصاروا بمنزلة من يشتري السلعة بالثمن وقيل المراد الضلالة كتمان أمره مع علمهم به وبالهدى إظهاره وقيل المراد بالضلالة العذاب وبالهدى الثواب وطريق الجنة أي استبدلوا النار بالجنة وقولـه { والعذاب بالمغفرة } قيل إنه تأكيد لما تقدم عن أبي مسلم وقيل إنهم كانوا اشتروا العذاب بالمغفرة لما عرفوا ما أعد الله لمن عصاه من العذاب ومن أطاعه من الثواب ثم أقاموا على ما هم عليه من المعصية مُصرّين عن القاضي, وهذا أولى لأنه إذا أمكن حمل الكلام على زيادة فائدة كان أولى فكان اشتراؤهم الضلالة يرجع إلى عدولهم عن طريق العلم إلى طريق الجهل واشتراؤهم العذاب بالمغفرة يرجع إلى عدولهم عما يوجب الجنة إلى ما يوجب النار.
وقولـه: { فما أصبرهم على النار } فيه أقوال أحدها: أن معناه ما أجرأهم على النار ذهب إليه الحسن وقتادة ورواه علي بن إبراهيم بإسناده عن أبي عبد الله (ع) والثاني: ما أعملهم بأعمال أهل النار عن مجاهد وهو المروي عن أبي عبد الله (ع) والثالث: ما أبقاهم على النار كما يقال ما أصبر فلاناً على الحبس عن الزجاج والرابع: ما أدومهم على النار أي ما أدومهم على عمل أهل النار كما يقال ما أشبه سخاءَك بحاتم عن الكسائي وقطرب, وعلى هذه الوجوه فظاهر الكلام التعجب والتعجب لا يجوز على القديم سبحانه لأنه عالم بجميع الأشياء لا يخفى عليه شيء والتعجب إنما يكون مما لا يُعرف سببه وإذا ثبت ذلك فالغرض أن يدلّنا على الكفار حلّوا محل من يُتعجب منه فهو تعجيب لنا منهم والخامس: ما روي عن ابن عباس أن المراد أيّ شيء أصبرهم على النار أي حبسهم عليها فتكون للاستفهام.
ويمكن حمل الوجوه الثلاثة المتقدمة على الاستفهام أيضاً فيكون المعنى أي شيء أجرأهم على النار وأعملهم بأعمال أهل النار وأبقاهم على النار. وقال الكسائي هو استفهام على وجه التعجب وقال المبرد هذا حسن لأنه كالتوبيخ لهم والتعجب لنا كما يقال لمن وقع في ورطةٍ ما اضطرك إلى هذا إذا كان غنياً عن التعرض للوقوع في مثلها والمراد به الإِنكار والتقريع على اكتساب سبب الهلاك وتعجيب الغير منه ومن قال معناه ما أجرأهم على النار فإِنه عنده من الصبر الذي هو الحبس أيضاً لأن بالجرأة يصبر على الشدة.