التفاسير

< >
عرض

حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وٱلصَّلَٰوةِ ٱلْوُسْطَىٰ وَقُومُواْ للَّهِ قَٰنِتِينَ
٢٣٨
-البقرة

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: الحفظ ضبط الشيء في النفس ثم يشبه به ضبطه بالمنع من الذهاب والحفظ خلاف النسيان وأحْفظه أغْضبه لأَنه حفظ عليه ما يكرهه ومنه الحفيظة الحمية والحفاظ المحافظة والوسطى تأنيث الأَوسط وهو الشيء بين الشيئين على جهة الاعتدال وأصل القنوت الدوام على أمر واحد وقيل أصلـه الطاعة وقيل أصلـه الدعاء في حال القيام قال علي بن عيسى والأَول لحسن تصرفه في الباب لأَن المداوم على الطاعة قانت وكذلك المداوم في صلاته على السكوت إلا عن الذكر المشروع وكذلك المداوم على الدعاء ويقال فلان يقنت عليه أي يدعو عليه دائماً.
النزول: عن زيد بن ثابت أن النبي كان يصلي بالـهاجرة وكانت أثقل الصلوات على أصحابه فلا يكون وراءه إلا الصف أو الصفان فقال:
"لقد هممت أن أحرق على قوم لا يشهدون الصلاة بيوتهم " فنزلت هذه الآية.
المعنى: لما حث الله سبحانه على الطاعة خص الصلاة بالمحافظة عليها لأَنها أعظم الطاعات فقال { حافظوا على الصلوات } أي داوموا على الصلوات المكتوبات في مواقيتها بتمام أركانها ثم خص الوسطى تفخيماً لشأنها فقال { والصلاة الوسطى } كقولـه سبحانه
{ { من كان عدوا للـه وملائكته ورسلـه وجبريل وميكال } [البقرة: 98] أي والصلاة الوسطى خاصة فداوموا عليها ثم اختلف في الصلاة الوسطى على أقوال:
أحدها: أنها صلاة الظهر عن زيد بن ثابت وابن عمر وأبي سعيد الخدري وأسامة وعائشة وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وذكر بعض أئمة الزيدية أنها الجمعة يوم الجمعة والظهر سائر الأَيام ورواه عن علي ويدل عليه سبب نزول هذه الآية وهو أنها وسط النهار وأول صلاة فرضت وروي عن علي قال قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"إن للـه في السماء الدنيا حلقة تزول فيها الشمس فإذا زالت الشمس سبح كل شيء لربنا" فأمر الله سبحانه بالصلاة في تلك الساعة وهي الساعة التي تفتح فيها أبواب السماء فلا تغلق حتى يصلى الظهر ويستجاب فيها الدعاء.
وثانيها: إنها صلاة العصر عن ابن عباس والحسن وروي ذلك عن علي وابن مسعود وقتادة والضحاك وروي ذلك عن أبي حنيفة وروي مرفوعاً إلى النبي، قالوا لأنها بين صلاتي النهار وصلاتي الليل وإنما خصت بالذكر لأَنها تقع في وقت اشتغال الناس في غالب الأَمر وروي عن النبي أنه قال:
" "الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وُتِر أهلـه ومالـه" " وروى بريدة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "بكروا بالصلاة في يوم الغيم فإنه من فاتته صلاة العصر حبط عملـه" .
" وثالثها: أنها المغرب عن قبيصة بن ذؤيب قال لأَنها وسط في الطول والقصر من بين الصلوات وروى الثعلبي بإسناده عن عائشة قالت قال رسول الله: "إن أفضل الصلوات عند الله صلاة المغرب لم يحطّها الله عن مسافر ولا مقيم فتح الله بها صلاة الليل وختم بها صلاة النهار فمن صلى المغرب وصلى بعدها ركعتين بنى الله لـه قصراً في الجنة ومن صلى بعدها أربع ركعات غفر الله لـه ذنب عشرين أو أربعين سنة" .
" ورابعها: أنها صلاة العشاء الآخرة عن بعضهم قال: لأَنها بين صلاتين لا تقصّران وروي عن النبي أنه قال: "من صلى العشاء الآخرة في جماعة كان كقيام نصف ليلة ومن صلى صلاة الفجر في جماعة كان كقيام ليلة" .
" وخامسها: أنها صلاة الفجر عن معاذ وابن عباس وجابر بن عبد الله وعطاء وعكرمة ومجاهد وهو قول الشافعي قالوا لأَنها يين صلاتي الليل وصلاتي النهار وبين الظلام والضياء ولأَنها صلاة لا تجمع مع غيرها فهي منفردة بين مجتمعين ويدل عليه من التنزيل قولـه: { وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً } [الإسراء: 78] يعني تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار وهو مكتوب في ديوان الليل وديوان النهار قالوا ويدل عليه آخر الآية وهو قولـه { وقوموا للـه قانتين } يعني وقوموا فيها للـه قانتين قال أبو رجاء العطاردي: صلى بنا ابن عباس في مسجد البصرة صلاة الغداة فقنت فيها قبل الركوع ورفع يديه فلما فرغ قال: هذه الصلاة الوسطى التي أمرنا أن نقوم فيها قانتين أورده الثعلبي في تفسيره وروي بإسناده مرفوعاً إلى أنس بن مالك قال ما زال رسول الله يقنت في صلاة الغداة حتى فارق الدنيا.
وسادسها: أنها إحدى الصلوات الخمس لم يعنيها الله وأخفاها في جملة الصلوات المكتوبة ليحافظوا على جميعها كما أخفى ليلة القدر في ليالي شهر رمضان واسمه الأَعظم في جميع الأسماء وساعة الإِجابة في ساعات الجمعة عن الربيع بن خيثم وأبي بكر الوراق { وقوموا للـه قانتين } قال ابن عباس معناه داعين والقنوت هو الدعاء في الصلاة في حال القيام وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله وقيل معناه طائعين عن الحسن وسعيد بن المسيب وقتادة والضحاك وطاووس وإحدى الروايتين عن ابن عباس وقيل معناه خاشعين عن مجاهد قال نهوا عن العبث والالتفات في الصلاة وقيل ساكنين عن ابن مسعود وزيد بن أرقم والأَصل فيه الإِتيان بالدعاء أو غيره من العبادات في حال القيام ويجوز أن يطلق في سائر الطاعات فإنه وإن لم يكن فيه القيام الحقيقي فإن فيه القيام بالعبادة.