التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَٰهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ
٢٤٣
-البقرة

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: الرؤية هنا بمعنى العلم ومعنى ألم تَرَ ألم تَعْلم وهذه الألف ألف التوقيف وتر متروكة الـهمزة وأصلـه ألم ترا من رأى يرأى مثل نأى ينأى إلا أنهم على اسقاط الـهمزة هنا للتخفيف.
الإعراب: حذر الموت نصب لأنه مفعول لـه وجاز أن يكون نصبه على المصدر لأن خروجهم يدل على حذروا الموت حذراً.
المعنى: لما ذكر قولـه يبيّن آياته للناس عقبه بذكر آية من آياته فقال { ألم تر } أي ألم تعلم يا محمد أو أيها السامع أو لم ينته علمك إلى خبر هؤلاء { الذين خرجوا من ديارهم } قيل هم من قوم بني إسرائيل وفرّوا من طاعون وقع بأرضهم عن الحسن، وقيل فرّوا من الجهاد وقد كتب عليهم عن الضحاك، ومقاتل، واحتجا بقولـه عقيب الآية وقاتلوا في سبيل الله وقيل هم قوم حزقيل وهو ثالث خلفاء بني إسرائيل بعد موسى وذلك أن القيم بأمر بني إسرائيل بعد موسى كان يوشع بن نون ثم كالب بن يوقنا ثم حزقيل وقد كان يقال لـه ابن العجوز وذلك أن أمه كانت عجوزا فسألت الله الولد وقد كبرت وعقمت فوهبه الله لـها، وقال الحسن: هو ذو الكفل وإنما سمي حزقيل ذا الكفل لأنه كفل سبعين نبيّاً نجاهم من القتل وقال لـهم اذهبوا فإني إن قتلت كان خيراً من أن تقتلوا جميعاً فلما جاء اليهود وسألوا حزقيل عن الأنبياء السبعين فقال إنهم ذهبوا ولا أدري أين هم ومنع الله ذا الكفل منهم.
{ وهم ألوف } أجمع أهل التفسير على أن المراد بألوف هنا كثرة العدد إلا ابن زيد فإنه قال معناه خرجوا مؤتاً في القلوب لم يخرجوا عن تباغض فجعلـه جمع ألف مثل قاعد وقعود وشاهد وشهود واختلف من قال المراد به العدد الكثير فقيل كانوا ثلاثة آلاف عن عطاء الخراساني، وقيل ثمانية آلاف عن مقاتل والكلبي، وقيل عشرة آلاف عن ابن روق، وقيل بضعة وثلاثين ألفاً عن السدي، وقيل أربعين ألفاً عن ابن عباس وابن جريج، وقيل سبعين ألفاً عن عطاء بن أبي رباح، وقيل كانوا عدداً كثيراً عن الضحاك. والذي يقضي به الظاهر أنهم كانوا أكثر من عشرة آلاف لأن بناء فعول للكثرة وهو ما زاد على العشرة وما نقص عنها يقال فيه عشرة آلاف ولا يقال عشرة ألوف.
{ حذر الموت } أي من خوف الموت { فقال لـهم الله موتوا ثم أحياهم } قيل في معناه قولان أحدهما: إن معناه أماتهم الله كما يقال قالت السماء فهطلت معناه فهطلت السماء وقلت برأسي كذا وقلت بيدي كذا ومعناه برأسي وبيدي وذلك لما كان القول في الأكثر استفتاحاً للفعل كالقول الذي هو تسمية وما جرى مجراه مما كان يستفتح به الفعل صار معنى قالت السماء فهطلت أي استفتحت بالـهطلان كذلك معناه ها هنا فاستفتح الله بإماتتهم والثاني: إن معناه أماتهم بقول سمعته الملائكة لضرب من العبرة ثم أحياهم الله بدعاء نبيّهم حزقيل عن ابن عباس وقيل إنه شمعون من أنبياء إسرائيل { إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون } لما ذكر النعمة عليهم بما أراهم من الآية العظيمة في أنفسهم ليلتزموا سبيل الـهدى ويجتنبوا طريق الردى ذكر بعده ما لـه عليهم من الإنعام والإحسان مع ما هم عليه من الكفران وهذه الآية حجة على من أنكر عذاب القبر والرجعة معاً لأن إحياء أولئك مثل إحياء هؤلاء الذين أحياهم الله للاعتبار.
القصة: قيل إن اسم القرية التي خرجوا منها هرباً من وبائها داوردان قُبُلَ واسط قال الكلبي والضحاك ومقاتل: إن ملكاًَ من ملوك بني إسرائيل أمرهم أن يخرجوا إلى قتال عدوهم فخرجوا فعسكروا ثم جبنوا وكرهوا الموت فاعتلّوا وقالوا أن الأرض التي نأتيها بها الوباء فلا نأتيها حتى ينقطع منها الوباء فأرسل الله عليهم الموت فلما رأوا أن الموت كثر فيهم خرجوا من ديارهم فراراً من الموت فلما رأى الملك ذلك قال: اللهم رب يعقوب وإلـه موسى قد ترى معصية عبادك فأرهم آية من أنفسهم حتى يعلموا أنهم لا يستطيعون الفرار منك فأماتهم الله جميعاً وأمات دوابهم وأتى عليهم ثمانية أيام حتى انتفخت وأروحت أجسادهم فخرج إليهم الناس فعجزوا عن دفنهم فحظروا عليهم حظيرة دون السباع وتركوهم فيها قالوا وأتى على ذلك مدة حتى بليت أجسادهم وعريت عظامهم وتقطعت أوصالـهم فمرّ عليهم حزقيل وجعل يتفكر فيهم متعجباً منهم فأوحى إليه يا حزقيل تريد أن أريك آية وأريك كيف أحيي الموتى قال نعم فأحياهم الله وقيل إنهم كانوا قوم حزقيل فأحياهم الله بعد ثمانية أيام وذلك أنه لما أصابهم ذلك خرج حزقيل في طلبهم فوجدهم موتى فبكى ثم قال يا رب كنت في قوم يحمدونك ويسّبحونك ويقدّسونك فبقيت وحيداً لا قوم لي فأوحى الله إليه قد جعلت حياتهم إليك فقال حزقيل أحيوا بإذن الله فعاشوا. وسأل حمران بن أعين أبا جعفر الباقر (ع) عن هؤلاء القوم الذين قال لـهم الله موتوا ثم أحياهم؟ فقال: أحياهم حتى نظر الناس إليهم ثم أماتهم أم ردّهم إلى الدنيا حتى سكنوا الدور وأكلوا الطعام قال لا بل ردّهم الله حتى سكنوا الدور وأكلوا الطعام ونكحوا النساء ومكثوا بذلك ما شاء الله ثم ماتوا بآجالـهم.