التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوۤاْ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِٱلْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ ٱلْمَالِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي ٱلْعِلْمِ وَٱلْجِسْمِ وَٱللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
٢٤٧
-البقرة

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: اصطفاه اختاره واستصفاه بمعناه وأصلـه اصتفاه إلا أن التاء أبدلت طاء لأن التاء من مخرج الطاء والطاء مطبقة كما أن الصاد مطبقة فأبدلوها منها ليسهل النطق بها بعد الصاد والبسطة الفضيلة في الجسم والمال والجسم حدّه الطويل العريض العميق بدلالة قولـهم جسم جسامة أي ضخم وهذا جسيم أي ضخيم وهذا أجسم من هذا إذا زاد عليه في الطول والعرض والعمق وقيل الجسم هو المؤلف وقيل هو القائم بنفسه والصحيح الأول.
الإعراب: طالوت وجالوت وداود لا تنصرف لأنها أسماء أعجمية وفيها سببان التعريف والعجمة فأما جاموس فلو سميت رجلاً به لانصرف وإن كان أعجمياً لأنه قد تمكن في العربية لأنك تدخل عليه الألف واللام فتقول الجاموس "ملكاً" نصب على الحال العامل فيه بعث وذو الحال طالوت وأنّى في موضع نصب لأنه خبر يكون والملك اسمه ولـه في موضع الحال وذو الحال الملك تقديره أنى يكون لـه الملك يستقر لـه علينا ويجوز أن يكون كان هنا تامة فيتعلق اللام بكون وأنّى في موضع نصب على الحال من يكون وعلينا يتعلق بالملك ونحن أحق في محل النصب على الحال أيضاً تقديره أنى يكون لـه أن يملك علينا ونحن أحق منه بالملك ولم يؤت سعة في محل الحال أيضاً عطف على نحن أحق والعامل فيه الملك وذو الحال الضمير في أن يملك وتقديره أن يملك علينا غير مؤتى سعة مالية.
المعنى: { وقال لـهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً } أي جعلـه ملكاً وكان طالوت من ولد بنيامين بن يعقوب ولم يكن من سبط النبوة ولا من سبط المملكة وسمي طالوت لطولـه ويقال كان سقاء وقيل كان خرنبدجا وقيل كان دباغاً وكانت النبوة في سبط لاوي بن يعقوب وكانت المملكة في سبط يهوذا بن يعقوب وقيل في سبط يوسف وقولـه ملكاً يعني أميراً على الجيش عن مجاهد وقيل بعثه نبياً بعد أن جعلـه ملكاً { قالوا أنى يكون لـه الملك علينا } أي من أين لـه الملك وهذا أول اعتراضهم إذ أنكروا ملكه { ونحن أحق } أي أولى { بالملك منه } لأنا من سبط النبوة والمملكة وأوتينا المال { ولم يؤت سعة من المال } أي لم يعط ما يتملك به الناس وهو المال أذ لا بد للملك من المال يحصل به المماليك وقيل معناه ولم يؤت سعة من المال فيشرف به ويجبر نقصاً لو كان فيه حتى يساوي أهل الأنساب فأعلمهم الله أنه أعرف بوجوه الحكمة منهم فإن المقصود في الملك والرئاسة هو العلم والشجاعة وأخبرهم بذلك عن لسان نبيهم.
{ قال إن الله اصطفاه } أي اختاره { عليكم } عن ابن عباس { وزاده بسطة } أي فضيلة وَسِعة { في العلم والجسم } وكان أعلم بني إسرائيل في وقته وأجملـهم وأتمّهم وأعظمهم جسماً وأقواهم شجاعة وقيل كان إذا قام الرجل فبسط يده رافعاً لـها نال رأسه قال وهب كان ذلك فيه قبل الملك وزاده ذلك بعد الملك { والله يؤتي ملكه من يشاء } أي لا تنكروا ملكه وإن لم يكن من أهل بيت الملك فإن الله سبحانه مالك الملك يوتي الملك من يشاء { والله واسع } قيل في معناه ثلاثة أقوال أحدها: أنه واسع الفضل فحذف كما يقال: فلان كبير أي كبير القدر والثاني: أن الواسع بمعنى الموسّع أي يوسّع على من يشاء من نعمه كما جاء أليم بمعنى مؤلم وسميع بمعنى مسمع والثالث: أن معناه ذو سعة نحو عيشة راضية أي ذات رضا ورجل تامر أي ذو تمر ولابن أي ذو لبن وقولـه { عليم } أي عليم بمن ينبغي أن يؤتيه الفضل والمملكة إما للاستصلاح وإما للامتحان وفي هذه الآية دلالة على أن الملك قد يضاف إليه سبحانه وذلك بأن ينصب الملك للتدبير ويعطيه آلات الملك ويأمر الخلق بالانقياد لـه فعند ذلك يجوز أن يقال بعثه الله سبحانه ملكاً وإن لم يكن في البعثة كالأنبياء، ويقال في ملكه أيضاً أنه من جهة الله سبحانه لأن تصرفه صادر عن إذنه وفيها دلالة أيضاً على أن الملك ليس بواجب أن يكون وراثة وإنما يكون بحسب ما يعلمه الله من المصلحة وفيها دلالة على أن من شرط الإمام أن يكون أعلم من رعيته وأكمل وأفضل في خصال الفضل والشجاعة لأن الله علّل تقديم طالوت عليهم بكونه أعلم وأقوى فلولا أن ذلك شرط لم يكن لـه معنى.